الْحَالِ مِنَ الْمَصْدَرِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْفِعْلُ، وَحْدَهُ، أَوْ مَعَ حَرْفِ النَّهْيِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَآمَنُوا حَالَ كَوْنِ الْإِيمَانِ خَيْرًا، وَحَسْبُكَ حَالُ كَوْنِ الِاكْتِفَاءِ خَيْرًا، وَلَا تَفْعَلْ كَذَا حَالَ كَوْنِ الِانْتِهَاءِ خَيْرًا. وَعَوْدُ الْحَالِ إِلَى مَصْدَرِ الْفِعْلِ فِي مَثَلِهِ كَعَوْدِ الضَّمِيرِ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [الْمَائِدَة: ٨] ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ جَرَى هَذَا مَجْرَى الْأَمْثَالِ، وَشَأْنُ الْأَمْثَالِ قُوَّةُ الْإِيجَازِ. وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ وَأَبُو الْبَقَاءِ.
وَقَوْلُهُ وَإِنْ تَكْفُرُوا أُرِيدَ بِهِ أَنْ تَبْقَوْا عَلَى كُفْرِكُمْ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ، وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ إِيمَانِكُمْ لِأَنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَصَرَّحَ بِمَا حُذِفَ هُنَا فِي سُورَةِ الزُّمَرِ [٧] فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْمُخَاطَبِينَ، أَيْ إِنَّ كُفْرَكُمْ لَا يُفْلِتُكُمْ مِنْ عِقَابِهِ، لِأَنَّكُمْ عَبِيدُهُ، لِأَنَّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْضِ.
[١٧١]
[سُورَة النِّسَاء (٤) : آيَة ١٧١]
يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٧١)
يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ.
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ بِخِطَابٍ مُوَجَّهٍ إِلَى النَّصَارَى خَاصَّةً. وَخُوطِبُوا بِعُنْوَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ تَعْرِيضًا بِأَنَّهُمْ خَالَفُوا كِتَابَهُمْ. وَقَرِينَةُ أَنَّهُمُ الْمُرَادُ هِيَ قَوْلُهُ: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى قَوْله: نْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ
[النِّسَاء: ١٧٢] فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ إِجْمَالِ قَوْلِهِ:
لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَابْتُدِئَتْ مَوْعِظَتُهُمْ بِالنَّهْيِ عَنِ الْغُلُوِّ لِأَنَّ النَّصَارَى غَلَوْا فِي تَعْظِيمِ عِيسَى- فَادَّعَوْا لَهُ بُنُوَّةَ اللَّهِ، وَجَعَلُوهُ ثَالِثَ الْآلِهَةِ.
وَالْغُلُوُّ: تَجَاوُزُ الْحَدِّ الْمَأْلُوفِ، مُشْتَقٌّ مِنْ غَلْوَةِ السَّهْمِ، وَهِيَ مُنْتَهَى انْدِفَاعِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute