[سُورَة هود (١١) : آيَة ١١]
إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١)
احْتِرَاسٌ بِاسْتِثْنَاءٍ مِنَ (الْإِنْسَانِ) . وَالْمُرَادُ بِالَّذِينِ صَبَرُوا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ لِأَنَّ الصَّبْرَ مِنْ مُقَارَنَاتِ الْإِيمَانِ فَكَنَّيَ بِالَّذِينِ صَبَرُوا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ الْإِيمَانَ يُرَوِّضُ صَاحِبَهُ عَلَى مُفَارَقَةِ الْهَوَى وَنَبْذِ مُعْتَادِ الضَّلَالَةِ. قَالَ تَعَالَى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ [الْعَصْر: ٣] .
وَمِنْ مَعَانِي الصَّبْرِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ وَلِذَلِكَ أُوثِرَ هُنَا وَصْفُ (صَبَرُوا) دُونَ (آمَنُوا) لِأَنَّ الْمُرَادَ مُقَابَلَةُ حَالِهِمْ بِحَالِ الْكُفَّارِ فِي قَوْله: إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ [هود: ٩] . وَدَلَّ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى أَنَّهُمْ مُتَّصِفُونَ بِضِدِّ صِفَاتِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُمْ. وَفِي هَذَا تَحْذِيرٌ مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا يُمَاثِلُ صِفَاتِ الْكَافِرِينَ عَلَى اخْتِلَافِ مَقَادِيرٍ. وَقَدْ نُسِجَتِ الْآيَةُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ مِنَ الْإِجْمَالِ لِتَذْهَبَ نُفُوسُ السَّامِعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي طُرُقِ الْحَذَرِ مِنْ صِفَتَيِ الْيَأْسِ وَكُفْرَانِ النِّعْمَةِ، وَمِنْ صِفَتَيِ الْفَرَحِ وَالْفَخْرِ كُلَّ مَذْهَبٍ مُمْكِنٍ.
وَجُمْلَةُ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ مُسْتَأْنَفَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ. وَالْإِتْيَانُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ عَقِبَ وَصْفِهِمْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ وَبِالصَّبْرِ وَعَمِلَ الصَّالِحَات تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا مَا يُذْكَرُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَوْصَافِ كَقَوْلِهِ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الْبَقَرَة: ٥] .
[١٢]
[سُورَة هود (١١) : آيَة ١٢]
فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢)
تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ- إِلَى قَوْله- يَسْتَهْزِؤُنَ [هود: ٧، ٨] مَنْ ذِكْرِ تَكْذِيبِهِمْ وَعِنَادِهِمْ. وَيُشِير هَذَا التَّفْرِيعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute