للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ [الْأَعْرَاف: ٢٠] وَمَا عطف عَلَيْهَا.

وَمَعْنَى فَدَلَّاهُما أَقْدَمَهُمَا فَفَعَلَا فِعْلًا يَطْمَعَانِ بِهِ فِي نَفْعٍ فَخَابَا فِيهِ، وَأَصْلُ دَلَّى، تَمْثِيلُ حَالِ مَنْ يَطْلُبُ شَيْئًا مِنْ مَظِنَّتِهِ فَلَا يَجِدُهُ بِحَالِ مَنْ يُدَلِّي دَلْوَهُ أَوْ رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ لِيَسْتَقِيَ مِنْ مَائِهَا فَلَا يَجِدُ فِيهَا مَاءً فَيُقَالُ: دَلَّى فُلَانٌ، يُقَالُ دَلَّى كَمَا يُقَالُ أَدْلَى.

وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ دَلَّاهُمَا مُلَابِسًا لِلْغُرُورِ أَيْ لِاسْتِيلَاءِ الْغُرُورِ عَلَيْهِ إِذِ الْغُرُورُ هُوَ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ نَافِعًا بِحَسَبِ ظَاهِرِ حَالِهِ وَلَا نَفْعَ فِيهِ عِنْدَ تَجْرِبَتِهِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَالُ دَلَّاهُ بِغُرُورٍ إِذَا أَوْقَعَهُ فِي الطَّمَعِ فِيمَا لَا نَفْعَ فِيهِ، كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَقَوْلِ أَبِي جُنْدُبٍ الْهُذَلِيِّ (هُوَ ابْنُ مُرَّةَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْرِيفِهِ فَإِنْ كَانَ إِسْلَامِيًّا كَانَ قَدْ أَخَذَ قَوْلَهُ كَمَنْ يُدَلَّى بِالْغُرُورِ مِنَ الْقُرْآنِ، وإلّا كَانَ مثلا مُسْتَعْمَلًا مِنْ قَبْلُ) :

أَحُصُّ فَلَا أُجِيرُ وَمَنْ أَجِرْهُ ... فَلَيْسَ كَمَنْ يُدَلَّى بِالْغُرُورِ

وَعَلَى هَذَا الِاسْتِعْمَالِ فَفِعْلُ دَلَّى يُسْتَعْمَلُ قَاصِرًا، وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا إِذَا جُعِلَ غَيْرُهُ مُدَلَّيًا، هَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي هَذَا اللَّفْظِ، وَفِيهِ تَفْسِيرَاتٌ أُخْرَى لَا جَدْوَى فِي ذِكْرِهَا.

وَدَلَّ قَوْلُهُ: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ عَلَى أَنَّهُمَا فَعَلَا مَا وَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ، فَأَكَلَا مِنَ الشَّجَرَةِ، فَقَوْلُهُ: فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ تَرْتِيبٌ عَلَى دَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَحُذِفَتِ الْجُمْلَةُ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهَا بِإِيرَادِ الِاسْمِ الظَّاهِرِ فِي جُمْلَةِ شَرْطِ لَمَّا، وَالتَّقْدِيرُ: فَأَكَلَا مِنْهَا، كَمَا وَرَدَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَلَمَّا ذَاقَاهَا بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا.

وَالذَّوْقُ إِدْرَاكُ طَعْمِ الْمَأْكُولِ أَوِ الْمَشْرُوبِ بِاللِّسَانِ، وَهُوَ يَحْصُلُ عِنْدَ