وَلَا مَضَرَّةٍ، وَلَا يُعْرِضَانِ عَنْ نُصْحِ نَاصِحٍ
عَلِمَا صِدْقَهُ، إِلَى خَبَرِ مُخْبِرٍ يَشُكَّانِ فِي صِدْقِهِ، وَيَتَوَقَّعَانِ غُرُورَهُ، وَلَا يَشْعُرَانِ بِالسُّوءِ فِي الْأَفْعَالِ، وَلَا فِي ذَرَائِعِهَا وَمُقَارَنَاتِهَا. لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمَا فِي عَالَمٍ مَلَكِيٍّ. ثُمَّ تَطَوَّرَتْ عَقْلِيَّتُهُمَا إِلَى طَوْرِ التَّصَرُّفِ فِي تَغْيِيرِ الْوِجْدَانِ. فَتَكَوَّنَ فِيهِمَا فِعْلُ مَا نُهِيَا عَنْهُ. وَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ التَّطَوُّرِ الشُّعُورُ بِالسُّوءِ لِلْغَيْرِ، وَبِالسُّوءِ لِلنَّفْسِ، وَالشُّعُورُ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى السُّوءِ. وَتُقَارِنُ السُّوءَ وَتُلَازِمُهُ.
ثُمَّ إِنْ كَانَ «السَّوْآتُ» بِمَعْنَى مَا يَسُوءُ مِنَ النَّقَائِصِ، أَوْ كَانَ بِمَعْنَى الْعَوْرَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِيُبْدِيَ لَهُما مَا وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما [الْأَعْرَاف: ٢٠] فَبُدُوُّ ذَلِكَ لَهُمَا مُقَارِنٌ ذَوْقَ الشَّجَرَةِ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَنَبْذُ النَّصِيحَةِ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِالْغُرُورِ وَالِاغْتِرَارِ بِقِسْمِهِ، فَإِنَّهُمَا لَمَّا نَشَأَتْ فِيهِمَا فِكْرَةُ السُّوءِ فِي الْعَمَلِ، وَإِرَادَةُ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ، قَارَنَتْ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْفِعْلِ نَشْأَةَ الِانْفِعَالِ بِالْأَشْيَاءِ السَّيِّئَةِ، وَهِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تَظْهَرُ بِهَا الْأَفْعَالُ السَّيِّئَةُ، أَوْ تَكُونُ ذَرِيعَةً إِلَيْهَا، كَمَا تَنْشَأُ مَعْرِفَةُ آلَةِ الْقَطْعِ عِنْدَ الْعَزْمِ عَلَى الْقَتْلِ، وَمِنْ فِكْرَةِ السَّرِقَةِ مَعْرِفَةُ الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَفِي فِيهِ، وَكَذَلِكَ تَنْشَأُ مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُلَازِمُ السُّوءَ وَتُقَارِنُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَيِّئَةً فِي ذَاتِهَا، كَمَا تَنْشَأُ مَعْرِفَةُ اللَّيْلِ مِنْ فِكْرَةِ السَّرِقَةِ أَوِ الْفِرَارِ، فَتَنْشَأُ فِي نُفُوسِ النَّاسِ كَرَاهِيَتُهُ وَنِسْبَتُهُ إِلَى إِصْدَارِ الشُّرُورِ، فَالسَّوْآتُ إِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مُطْلَقُ مَا يَسُوءُ مِنْهُمَا وَنَقَائِصُهُمَا فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْقِسْمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْعَوْرَةُ فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْقِسْمِ الثَّانِي، أَعْنِي الشَّيْءَ الْمُقَارِنَ لِمَا يَسُوءُ، لِأَنَّ الْعَوْرَةَ تُقَارِنُ فِعْلًا سَيِّئًا مِنَ النَّقَائِصِ الْمَحْسُوسَةِ، وَاللَّهُ أَوْجَدَهَا سَبَبَ مَصَالِحٍ، فَلَمْ يَشْعُرْ آدَمُ وَزَوْجُهُ بِشَيْءٍ مِمَّا خُلِقَتْ لِأَجْلِهِ، وَإِنَّمَا شَعَرَا بِمُقَارَنَةِ شَيْءٍ مَكْرُوهٍ لِذَلِكَ وَكُلُّ ذَلِكَ نَشَأَ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا التَّطَوُّرُ، الَّذِي أَشَارَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ، قَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَطَوُّرًا فِطْرِيًّا فِي ذُرِّيَّةِ آدَمَ، فَالطِّفْلُ فِي أَوَّلِ عُمْرِهِ يَكُونُ بَرِيئًا مِنْ خَوَاطِرِ السُّوءِ فَلَا يَسْتَاءُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا إِذَا لَحِقَ بِهِ مُؤْلِمٌ خَارِجِيٌّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute