وَأَنْ يَقُولَ: مَا مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ مُقَابِلَ إِنْكَارِهِمُ التَّوْحِيدَ كَقَوْلِهِمْ: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً [ص: ٥] فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ. وَذِكْرُ صِفَةِ الْوَاحِدِ تَأْكِيد لمدلول مَا مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ إِمَاء إِلَى رَدِّ إِنْكَارِهِمْ.
وَذِكْرُ صِفَةِ الْقَهَّارُ تَعْرِيضٌ بِتَهْدِيدِ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى قَهْرِهِمْ، أَيْ غَلَبِهِمْ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْقَهْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٨] .
وَإِتْبَاعُ ذَلِكَ بِصِفَةِ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا تَصْرِيحٌ بِعُمُومِ رُبُوبِيَّتِهِ وَأَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَوَصْفُ الْعَزِيزُ تَمْهِيدٌ لِلْوَصْفِ بِ الْغَفَّارُ، أَيْ الْغَفَّارُ عَنْ عِزَّةٍ وَمَقْدِرَةٍ لَا عَنْ عَجْزٍ وَمَلَقٍ أَوْ مُرَاعَاةِ جَانِبٍ مُسَاوٍ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ وَصْفِ الْغَفَّارُ هُنَا اسْتِدْعَاءُ الْمُشْرِكِينَ إِلَى التَّوْحِيدِ بَعْدَ تَهْدِيدِهِمْ بِمُفَادِ وَصْفِ الْقَهَّارُ لِكَيْ لَا يَيْأَسُوا مِنْ قَبُولِ التَّوْبَةِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ مَا سِيقَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْوَعِيدِ جَرْيًا عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي تَعْقِيبِ التَّرْهِيبِ بالترغيب وَالْعَكْس.
[٦٧- ٧٠]
[سُورَة ص (٣٨) : الْآيَات ٦٧ إِلَى ٧٠]
قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (٦٨) مَا كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠)
إِعَادَةُ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ هُنَا مُسْتَأْنَفًا. وَالْعُدُولُ عَنِ الْإِتْيَانِ بِحَرْفٍ يَعْطِفُ الْمَقُولَ أَعْنِي هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ عَلَى الْمَقُولِ السَّابِقِ أَعْنِي أَنَا مُنْذِرٌ [ص: ٦٥] ، عُدُولٌ يشْعر بالاهتمام بالمقول هُنَا كَيْ لَا يُؤْتَى بِهِ تَابِعًا لِمَقُولٍ آخَرَ فَيَضْعُفُ تَصَدِّي السَّامِعِينَ لِوَعْيِهِ.
وَجُمْلَةُ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْقِعِ الِاسْتِئْنَافِ الِابْتِدَائِيِّ انْتِقَالًا مِنْ غَرَضِ وَصْفِ أَحْوَالِ أَهْلِ الْمَحْشَرِ إِلَى غَرَضِ قِصَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute