للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٧٩)

هُوَ عَلَى شَاكِلَةِ قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٧٨] .

وَالذَّرْءُ: الْبَثُّ. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٣٦] . وَهَذَا امْتِنَانٌ بِنِعْمَةِ الْإِيجَادِ وَالْحَيَاةِ وَتَيْسِيرِ التَّمَكُّنِ مِنَ الْأَرْضِ وَإِكْثَارِ النَّوْعِ لِأَنَّ الذَّرْءَ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ كُلَّهُ. وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ آخَرُ عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ إِذْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الْخَلْقِ فَكَيْفَ يُشْرِكُونَ مَعَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ أَصْنَافًا هُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا لَا تَخْلُقُ شَيْئًا. وَهُوَ أَيْضًا اسْتِدْلَالٌ عَلَى الْبَعْثِ لِأَنَّ الَّذِي أَحْيَا النَّاسَ عَنْ عَدَمٍ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ إِحْيَائِهِمْ بَعْدَ تَقَطُّعِ أَوْصَالِهِمْ.

وَقُوبِلَ الذَّرْءُ بِضِدِّهِ وَهُوَ الْحَشْرُ وَالْجَمْعُ، فَإِنَّ الْحَشْرَ يَجْمَعُ كُلَّ مَنْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْبَشَرِ. وَفِيهِ مُحَسِّنُ الطِّبَاقِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ الرَّدُّ عَلَى مُنْكِرِي الْبَعْثِ، فَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ تَعْرِيضٌ بِالتَّهْدِيدِ بِأَنَّهُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ فَهُوَ يجازيهم.

[٨٠]

[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : آيَة ٨٠]

وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠)

هُوَ مِنْ أُسْلُوبِ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٧٨] وَأُعْقِبَ ذِكْرُ الْحَشْرِ بِذِكْرِ الْإِحْيَاءِ لِأَنَّ الْبَعْثَ إِحْيَاءٌ إِدْمَاجًا لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عُمُومِ التَّصَرُّفِ فِي الْعَالَمِ.

وَأَمَّا ذِكْرُ الْإِمَاتَةِ فَلِمُنَاسَبَةِ التَّضَادِّ، وَلِأَنَّ فِيهَا دَلَالَةً عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَالْقَهْرِ. وَلَمَّا كَانَ مِنَ الْإِحْيَاءِ خَلْقُ الْإِيقَاظِ وَمِنَ الْإِمَاتَةِ خَلْقُ النَّوْمِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها [الزمر: ٤٢] الْآيَةَ عُطِفَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ بِقُدْرَتِهِ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِتِلْكَ الْمُنَاسَبَةِ، وَلِأَنَّ فِي تَصْرِيفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ دَلَالَةً عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ، وَالْعِلْمُ دَلَالَةٌ عَلَى الِانْفِرَادِ بِصِفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ وَعَلَى وُقُوعِ الْبَعْثِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الْأَعْرَاف: ٢٩] .