وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [يس: ٣٨] ، وَهُوَ شَامِلٌ لِوَعِيدِ الْآخِرَةِ وَوَعِيدِ الدُّنْيَا وَلِكُلٍّ مُسْتَقَرٌّ. وَعَنِ السُّدِّيِّ: اسْتَقَرَّ يَوْمَ بَدْرٍ مَا كَانَ يَعِدُهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ.
وَعَطْفُ سَوْفَ تَعْلَمُونَ عَلَى جُمْلَةِ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ أَيْ تَعْلَمُونَهُ، أَيْ هُوَ الْآنَ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَتَعْلَمُونَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عِنْدَ حُلُولِهِ بِكُمْ. وَهَذَا أَظْهَرُ فِي وَعِيدِ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا.
[٦٨]
[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٦٨]
وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ [الْأَنْعَام: ٦٦] . وَالْعُدُولُ عَنِ الْإِتْيَانِ بِالضَّمِيرِ إِلَى الْإِتْيَانِ بِالِاسْمِ الظَّاهِرِ وَهُوَ اسْمُ الْمَوْصُولِ، فَلَمْ يَقُلْ: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، يَدُلُّ على أنّ الَّذِي يَخُوضُونَ فِي الْآيَاتِ فَرِيقٌ خَاصٌّ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالْعَذَابِ.
فَعُمُومُ الْقَوْمِ أَنْكَرُوا وَكَذَّبُوا دُونَ خَوْضٍ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ، فَأُولَئِكَ قِسْمٌ، وَالَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي الْآيَاتِ قِسْمٌ كَانَ أَبْذَى وَأَقْذَعَ، وَأَشَدَّ كُفْرًا وَأَشْنَعَ، وَهُمُ الْمُتَصَدُّونَ لِلطَّعْنِ فِي الْقُرْآنِ.
وَهَؤُلَاءِ أُمِرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ مُجَادَلَتِهِمْ وَتَرْكِ مُجَالِسِهِمْ حَتَّى يَرْعَوُوا عَنْ ذَلِكَ.
وَلَوْ أُمِرَ الرَّسُولُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِالْإِعْرَاضِ عَنْ جَمِيعِ الْمُكَذِّبِينَ لَتَعَطَّلَتِ الدَّعْوَةُ وَالتَّبْلِيغُ.
وَمَعْنَى إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ فِي حَالِ خَوْضِهِمْ. وَجَاءَ تَعْرِيفُ هَؤُلَاءِ بِالْمَوْصُولِيَّةِ دُونَ أَنْ يُقَالَ الْخَائِضِينَ أَوْ قَوْمًا خَائِضِينَ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِالْإِعْرَاضِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَرِيبٌ، إِذْ شَأْنُ الرَّسُولِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَنْ يُمَارِسَ النَّاسَ لِعَرْضِ دَعْوَةِ الدِّينِ، فَأَمْرُ اللَّهِ إِيَّاهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ فَرِيقٍ مِنْهُمْ يَحْتَاجُ إِلَى تَوْجِيهٍ وَاسْتِئْنَاسٍ. وَذَلِكَ بِالتَّعْلِيلِ الَّذِي أَفَادَهُ الْمَوْصُولُ وَصِلَتُهُ، أَيْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute