فخلط البخاري السندين، ولم يقل عند انتهاء سند ابن أبي حفصة: "قالا" واشترك عُقيل وابنُ أبي حفصة في المعنى، وزاد الثاني: "وكان يومًا تُستر فيه الكعبة" قال الإسماعيلي: "ليس في حديث عقيل ستر الكعبة، وإنما هو في حديث ابن أبي حفصة". والإسماعيلي حافظ لا يقول هذا إلا بعد تتبُّع، ولذا قال ابن حجر في "الفتح" (٣/ ٤٥٥) على إثر كلامه: "وهو كما قال، وعادة البخاري التّجوّز في مثل هذا". فالتلفيق إنْ كان مؤثرًا، فالبخاري يتحاشاه، وما شابه هذا يمشّيه ويتجوّز عنه، ومع هذا فله في بعض الأحايين مسالك دقيقة في هذا الباب، انظر: "اختصار علوم الحديث" (١٤٧)، "فتح المغيث" (٢/ ٢٤٧). (١) وقع مثل هذا لمسلم على الرغم من دقته المتناهية في بيان ألفاظ الشيوخ وتمييز الروايات، ولكن في أفراد معدودة، وبأسانيد مستقلّة لا يسوق ألفاظها، ويحيل فيها على ما سبقها، قارن ما في "صحيح مسلم" (٥١٠): كتاب الصلاة: باب قدر ما يستر المصلي، مع ما في "السنن الكبرى" للبيهقي (٢/ ٢٧٤)، وانظر أيضًا: "الصناعة الحديثية عند البيهقي" (٣٩٢). (٢) شريطة أن يقع الإتقان في الجمع، فإذا أخطأ الراوي في الجمع، أو وقعت علّة خفيّة مؤثرة، فهذا مما لا يقبل، كمن لا يميز في الجمع بين لفظ الثقة والمطروح، ويكون للمطروح زيادة. ولذا قبل النقاد صنيع الزهري وشعبة وابن وهب في جمعهم للمفترق، ولم يقبلوا ذلك من أمثال جابر الجعفي وحماد بن سلمة -على جلالته- وعبد الرحمن بن عبد الله العمري وعطاء بن السائب، وقبلوا وردوا من ابن جريج، ولابن رجب في "شرح العلل" (٢/ ٦٧٢ - ط العتر) كلام بديع في هذا الباب، جدير بالتأمل، وساق أمثلة عملية مهمة للمتعلِّم الذي يروم إتقان الصنعة الحديثية، وتكون له مشاركة جادّة=