{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ..}. إلخ: أمر تعالى بتذكر نعمه، وأعظمها الإسلام، واتّباع محمد صلّى الله عليه وسلّم، فإنّ به زالت العداوة، والفرقة، وحلّت محلّها المحبّة، والألفة. والمخاطب بذلك الأنصار من الأوس، والخزرج، كما تقدّم. ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة (الأنفال) رقم: [٦٢ و ٦٣] {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ..}. إلخ، وقد امتنّ عليهم، وذكّرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك يوم قسم غنائم حنين، وعتب عليه من عتب منهم، بما فضّل عليهم في القسمة بما أراده الله، فخطبهم، فقال:«يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلاّلا، فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرّقين، فألّفكم الله بي؟ وكنتم عالة، فأغناكم الله بي؟» فكلما قال شيئا؛ قالوا: الله ورسوله أمنّ. و (أصبحتم) بمعنى: صرتم، فليس على بابه من التوقيت في الصّباح.
هذا؛ و {أَعْداءً} أصله: أعدوا؛ لأنّ مفرده: عدو، ويجمع أيضا على أعاد، وعدات، وعدى. وقيل: أعاد جمع: أعداء، فيكون جمع الجمع. وفي القاموس المحيط: والعدا بالضم والكسر اسم الجمع، وسمي العدوّ عدوّا لعدوه عليك عند أوّل فرصة تسنح له للإيقاع بك، والقضاء عليك. كما سمّي الصديق صديقا لصدقه فيما يدّعيه لك من الألفة، والمودة، والمحبّة.
وعدو: ضدّ الصديق، وهو على وزن فعول بمعنى فاعل، مثل: صبور، وشكور. وما كان على هذا الوزن يستوي فيه المذكر، والمؤنث، والمفرد، والمثنى، والجمع؛ إلا لفظا واحدا جاء نادرا، قالوا: هذه عدوة الله. قال تعالى:{إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} رقم [٦] من سورة (فاطر) فقد عبّر به عن مفرد، وقال تعالى حكاية عن قول إبراهيم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ} رقم [٧٧] من سورة (الشعراء) فقد عبّر به عن جمع، ومثله: صديق؛ أي: في إتيانه بلفظ واحد للمفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث، قال الشاعر-وهو الشّاهد رقم [٣٨] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الطويل]
فلو أنك في يوم الرّخاء سألتني... طلاقك لم أبخل وأنت صديق
وقال آخر:[الرجز]
هنّ صديق للّذي لم يشب
{وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ..}. إلخ: على طرف حفرة، وشفا كل شيء: طرفه، وحرفه، وكذلك شفيره، مثل: شفا البئر، ومنه قوله تعالى في سورة (التوبة) رقم [١٠٩]: {أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ}. وقال الراجز:[الرجز]
نحن حفرنا للحجيج سجله... نابتة فوق شفاها بقله
وأشفى على الشيء: أشرف عليه، ومنه: أشفى المريض على الموت، وما بقي منه إلا شفا؛ أي: قليل: قال ابن السّكيت-رحمه الله تعالى-: يقال للرجل عند موته، وللقمر عند امّحاقه، وللشّمس عند غروبها: ما بقي منه إلا شفا؛ أي قليل. قال العجاج:[الرجز]