وقال تعالى في سورة (ص): {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ}. ذكر: أنّ يهوديّا كانت له حاجة عند هارون الرشيد، فاختلف إلى بابه سنة، فلم يقض حاجته، فوقف على الباب يوما، فلما خرج هارون؛ سعى؛ حتى وقف بين يديه، وقال: اتق الله يا أمير المؤمنين! فنزل هارون عن دابته، وخرّ ساجدا، فلمّا رفع رأسه؛ أمر بحاجته، فقضيت، فلمّا رجع قيل له: يا أمير المؤمنين نزلت عن دابتك لقول يهودي، قال: لا ولكن تذكّرت قوله تعالى: {وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ..}.
إلخ. {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ:} كافيه معاقبة، وجزاء جهنم، كما تقول للرجل: كفاك ما حلّ بك.
{وَلَبِئْسَ الْمِهادُ:} الفراش؛ أي: ما يفترشه في الآخرة، والمهاد: جمع. المهد، وهو الموضع المهيّأ للنوم، ومنه مهد الصبي، قال تعالى في سورة (آل عمران) رقم [٤٦]: {وَيُكَلِّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصّالِحِينَ}. وفي هذه الجملة تهكم بالمنافقين، والكافرين، حيث جعلت لهم جهنم غطاء، ووطاء، فأكرموا بذلك، كما تكرم الأمّ ولدها بالغطاء، والوطاء اللّينين.
الإعراب: {وَإِذا:} مثل الآية السابقة. {قِيلَ:} فعل ماض مبني للمجهول. {لَهُ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {اِتَّقِ:} فعل أمر مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل تقديره: أنت. {اللهَ:} منصوب على التعظيم، والجملة الفعلية في محل رفع نائب فاعل: {قِيلَ،} وانظر ما ذكرته فيما مضى كثيرا.
{أَخَذَتْهُ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث، والهاء مفعول به. {الْعِزَّةُ:} فاعله، والجملة الفعلية جواب: ({إِذا}) لا محل لها، و ({إِذا}) ومدخولها معطوف على مثله في الآية السابقة: {بِالْإِثْمِ:}
متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من الضّمير المنصوب.
{فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ:} الفاء: أراها الفصيحة. (حسبه جهنم): مبتدأ، وخبر، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الاسمية لا محل لها؛ لأنها جواب لشرط مقدّر ب «إذا»، التقدير: وإذا كان ما ذكر شأنه، وحاله؛ فحسبه جهنم. والجملة الشرطية هذه مستأنفة، لا محل لها.
و {وَلَبِئْسَ:} الواو: حرف عطف، أو حرف استئناف. اللام: لام الابتداء، أو هي واقعة جوابا لقسم مقدر. (بئس): فعل ماض جامد لإنشاء الذم. {الْمِهادُ:} فاعله، والمخصوص بالذم محذوف، التقدير: المذمومة هي، أو جهنم. والجملة الفعلية لا محل لها على الوجهين المعتبرين بالواو.
{وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧)}
الشرح: لما ذكر الله صنيع المنافقين؛ ذكر بعده صنيع المؤمنين الصّادقين. هذا؛ وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية أقوال كثيرة، وروايات مختلفة، والمعتمد: أنها نزلت في صهيب بن سنان بن