الشرح:{يُخادِعُونَ اللهَ:} الخداع، والمخادعة: أن يوهم المرء صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه؛ ليوقعه فيه من حيث لا يشعر، أو: يوهمه المساعدة على ما يريد هو به ليغترّ بذلك، وكلا المعنيين مناسب للمقام، فإنّهم كانوا يريدون بما صنعوا أن يطّلعوا على أسرار المؤمنين، فيذيعوها إلى المنابذين، وأن يدفعوا عن أنفسهم ما يصيب سائر الكفرة.
قال العلماء: معنى {يُخادِعُونَ اللهَ} أي: يخادعونه عند أنفسهم، وعلى ظنّهم.
وقيل: في الكلام حذف، تقديره: يخادعون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاله الحسن، وغيره؛ لأنّ خداع رسول الله خداع لله. أو المعنى: إن معاملة رسول الله معاملة الله؛ من حيث إنّه خليفته في تشريع الأحكام، وتنفيذ الحدود، قال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ} الآية رقم [٨٠] من سورة (النّساء)، وقال تعالى في سورة (الفتح) رقم [١٠]: {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ،} وكذلك إذا خادعوا المؤمنين؛ فقد خادعوا الله. هذا؛ ومن قولهم: خدع الضب، إذا توارى في جحره، والأخدعان: عرقان خفيّان في العنق، وقال أهل اللغة: أصل الخدع في كلام العرب:
الفساد، حكاه ثعلب عن ابن الأعرابي، وأنشد قول سويد بن كاهل:[الرمل]
أبيض اللّون لذيذ طعمه... طيّب الرّيق إذا الرّيق خدع
{وَما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ:} أي: إن دائرة الخداع راجعة إليهم، وضررها يحيق بهم، أو أنهم في ذلك خدعوا أنفسهم لمّا غروها بذلك، وخدعتهم أنفسهم حيث حدّثتهم بالأماني الفارغة، وحملتهم على مخادعة من لا تخفى عليه خافية في الأرض، ولا في السماء، وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«لا تخادع الله، فإنّ من يخادع الله يخدعه، ونفسه يخدع؛ لو يشعر» قالوا: يا رسول الله! وكيف يخادع الله؟ قال:«تعمل بما أمرك الله به، وتطلب به غيره»، أي: ترائي به النّاس، هذا؛ وقرئ:«يخدعون» في الموضعين.
{وَما يَشْعُرُونَ:} الشّعور: إدراك الشيء من وجه يدقّ، ويخفى، مشتقّ من الشعر لدقته، وسمّي الشاعر: شاعرا لفطنته، ورقّة معرفته، والمعنى: وما يشعرون أنّ وبال خداعهم راجع على أنفسهم، وأنّهم سيحاسبون حسابا عسيرا، وسيعاقبون عقابا شديدا. ومحصّل ما ذكر: أنّ الآية من قبيل الاستعارة التمثيلية حيث شبه حالهم في معاملتهم لله بحال المخادع مع صاحبه من حيث القبح، أو من باب المجاز العقلي في النسبة الإيقاعية. انتهى. جمل.
هذا وأما (النّفس) فإنها تجمع في القلة: أنفس، وفي الكثرة: نفوس. والنفس: مؤنث باعتبار الرّوح، وتذكر باعتبار الشخص؛ أي: فإنها تطلق على الذات أيضا، سواء أكان ذكرا أم