{يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ} أي: يختارونها على الهدى، أو يستبدلونها به، لذا فأصل الكلام: يشترون الضلالة بالهدى، فالباء بمعنى: بدل، وهي داخلة على محذوف، والمراد بأنّهم يأخذون الرّشا، ويحرّفون التوراة. {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} أي: لم يكفهم أن ضلّوا في أنفسهم؛ حتّى تعلّقت آمالهم بضلالكم أنتم أيها المؤمنون عن سبيل الحقّ؛ لأنّهم أيقنوا: أنّهم قد خرجوا من الحق إلى الباطل، فكرهوا أن يكون المؤمنون مختصين باتباع الحق، فأرادوا أن تضلوا كما ضلّوا، كما قال تعالى في الآية رقم [٨٩] الآتية: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً}. ولا تنس الاستعارة في:
{يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ} فالشراء هنا مستعار، والمعنى: استحبوا الكفر على الإيمان.
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: نزلت هذه الآية الكريمة في رفاعة بن زيد، ومالك بن الدخشم اليهوديين، كانا إذا تكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لويا ألسنتهما، وعاباه، وكانا يأتيان رأس المنافقين، ورهطه، يثبطانهم عن الإسلام.
الإعراب:{أَلَمْ:} الهمزة: حرف استفهام، وتعجّب. ({لَمْ}): حرف نفي، وقلب، وجزم.
{تَرَ:} فعل مضارع مجزوم ب ({لَمْ}) وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الألف المقصورة، والفتحة قبلها دليل عليها، والفاعل تقديره:«أنت». {إِلَى الَّذِينَ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية مستأنفة لا محلّ لها. {أُوتُوا:} فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم، والواو نائب فاعله، وهو المفعول الأول، والألف للتفريق. {نَصِيباً:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محلّ لها. {مِنَ الْكِتابِ:} متعلقان ب: {نَصِيباً،} أو بمحذوف صفة له. {يَشْتَرُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله.
{الضَّلالَةَ:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو فقط، والمتعلق محذوف، كما رأيت في الشرح. ({يُرِيدُونَ}): مضارع، وفاعله. {أَنْ:} حرف مصدري ونصب. {تَضِلُّوا:} فعل مضارع منصوب ب {أَنْ} وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعله... إلخ، و {أَنْ تَضِلُّوا:} في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به. {السَّبِيلَ:} مفعول به، وجملة:{وَيُرِيدُونَ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها مثلها.
الشرح:{وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ:} أي: منكم، فيخبركم بهم لتبتعدوا عنهم، ولتكونوا على حذر منهم، ومن مخالطتهم. {وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا} أي: حافظا من شرّهم، فثقوا به، واعتمدوا عليه.
{نَصِيراً} معينا يعينكم على أعدائكم.
هذا؛ والولي: من يتولّى شئون غيره، والنّصير بمعنى المعين، والمساعد، والفرق بينهما:
أنّ الولي قد يضعف عن النّصرة، والمعاونة، والنصير قد يكون أجنبيّا من المنصور، فبينهما