الفتنة، واشتغال القلب بهم، وكان عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-يقول: لا يقولنّ أحدكم:
اللهم إني أعوذ بك من الفتنة، فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى أهل ومال وولد إلا يشتمل على فتنة، ولكن ليقل: اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن.
عن بريدة-رضي الله عنه-قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطبنا، فجاء الحسن، والحسين، وعليهما قميصان أحمران يمشيان، ويعثران، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن المنبر، فحملهما، فوضعهما بين يديه، ثم قال «صدق الله: {إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} نظرت إلى هذين الصبيين، يمشيان، ويعثران، فلم أصبر حتّى قطعت حديثي، ورفعتهما» أخرجه الترمذي، وقال:
حديث حسن غريب. انتهى. خازن.
تنبيه: في الاية الكريمة تحذير من حب المال، والولد، وتفضيلهما على طاعة الله، ورسوله، فيجب على العاقل أن يحذر من المضارّ المتولدة من حبهما؛ لأن ذلك يشغل القلب، ويصيره محجوبا عن خدمة المولى، وهذا من أعظم الفتن. وروى البغوي بسنده عن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أتي بصبي، فقبله، وقال:«أما إنهم مبخلة، وإنهم لمن ريحان الله». وأخرج الترمذي عن عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه-قال: زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم. قالت: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم وهو محتضن أحد بني بنته، وهو يقول:
«إنكم لتبخّلون، وتجبّنون، وتجهّلون، وإنكم لمن ريحان الله». قال الترمذي: لا نعرف لعمر بن عبد العزيز سماعا عن خولة، ومعنى: لمن ريحان الله: لمن رزق الله. الحديث رقم [١٩١١] في كتاب البر والصلة.
الإعراب:{إِنَّما:} كافة ومكفوفة. {أَمْوالُكُمْ:} مبتدأ. {وَأَوْلادُكُمْ:} معطوف عليه، والكاف في محل جر بالإضافة. {فِتْنَةٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية ابتدائية، أو مستأنفة، لا محل لها. {وَاللهُ:}(الواو): حرف عطف. (الله): مبتدأ. {عِنْدَهُ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم، والهاء في محل جر بالإضافة. {أَجْرٌ:} مبتدأ مؤخر. {عَظِيمٌ:} صفة له، والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ. هذا؛ وإن اعتبرت الظرف متعلقا بمحذوف خبر لفظ الجلالة، ف:{أَجْرٌ} فاعل به؛ أي: بمتعلقه، وهو سائغ لا غبار عليه. والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، واعتبارها حالا ضعيف. وقيل: مستأنفة.
الشرح:{فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ:} ذهب جماعة من المفسرين إلى أن هذه الاية ناسخة لقوله تعالى: {اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ} رقم [١٠٢] من سورة (آل عمران). قال سعيد بن جبير-رضي الله