الشرح: هذه الآية شرّف الله بها رسوله صلّى الله عليه وسلّم في حياته، وبعد موته، وأظهر بها منزلته عنده تعالى، والصلاة من الله عليه صلّى الله عليه وسلّم: رحمته ورضوانه، ومن الملائكة: الدعاء والاستغفار، ومن الأمة: الدعاء، والتعظيم لأمره. انتهى. قرطبي. فإن قيل: إذا صلّى الله، وملائكته عليه فأيّ حاجة به إلى صلاتنا؟ أجيب بأن الصلاة عليه ليست لحاجته إليها، وإلا فلا حاجة به إلى صلاة الملائكة أيضا، وإنما القصد بها تعظيمه صلّى الله عليه وسلّم، وعود فائدتها علينا بالثواب، والقرب منه صلّى الله عليه وسلّم. انتهى. نقلا عن الخطيب.
قال الإمام: ولم تؤكد الصلاة-أي: بمصدر-كما أكد السّلام؛ لأنها مؤكدة بقوله:{إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ..}. إلخ. وقيل: إنه من الاحتباك، فحذف (عليه) من أحدهما، والمصدر من الآخر. هذا؛ وتجوز الصلاة على غيره تبعا له، وتكره استقلالا؛ لأنه في العرف صار شعارا لذكر الرسل، ولذلك كره أن يقال: إن محمدا عز وجل، وإن كان عزيزا جليلا.
هذا؛ وقد اختلف في الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم: أواجبة، أو مندوبة؟ ومن قال في الوجوب اختلفوا في حال وجوبها، فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره، ومن قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«ألا أخبركم بأبخل الناس؟». قالوا: بلى يا رسول الله! قال: «من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ، فذلك أبخل الناس». رواه ابن أبي عاصم في كتاب الصلاة عن أبي ذر الغفاريّ، رضي الله عنه.
ومنهم من قال: تجب في العمر مرة. ومنهم من قال: تجب في كل مجلس مرة، وإن تكرر ذكره، ومنهم من قال: تجب في كل صلاة في التشهد الأخير، وهو مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد، ومن قول الشافعي، رضي الله عنه:[البسيط] يا آل بيت رسول الله حبكم... فرض من الله في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم... من لم يصلّ عليكم لا صلاة له
كما اختلف في صفة الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم. وخذ ما يلي: عن كعب بن عجرة-رضي الله عنه- قال: لما نزل قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله! هذا السّلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة؟ فقال:«قل: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد».
وعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: إذا صليتم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه. قال، فقالوا له: فعلّمنا! قال: قولوا: