أجيز اعتبار المصدر في محل جر بدل اشتمال من:(والديه)، وأجاز الزجاج اعتبار المصدر مفعولا به ثانيا ل:(وصينا) والتفسير أقوى من كل هذه الوجوه، وما بين التفسير والمفسر جملتان معترضتان لا محل لهما. {عَلى:} جار ومجرور متعلقان بالفعل {اُشْكُرْ}. (لوالديك): جار ومجرور متعلقان معطوفان على: {عَلى،} والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {إِلَيَّ:}
جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {الْمَصِيرُ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة، أو تعليل للأمر، وفيها معنى التقوية له، ولا محل لها على الاعتبارين.
الشرح:{وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي:} وإن حملاك على أن تشرك بي، وألحّا عليك في ذلك. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٨] من سورة (العنكبوت) من الفرق بين ما هنا، وهناك. {ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ:} بأنه يستحق العبادة مع الله، تقليدا للأبوين المشركين. {فَلا تُطِعْهُما:} فيما يأمران به، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
{وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً} أي: بالمعروف، وهو البر، والصلة، والعشرة الجميلة اللطيفة. والآية دليل واضح على حسن معاشرة الأبوين إذا كانا كافرين، وحثّ على صلتهما بما يمكن من المال إن كانا فقيرين.
فعن أسماء بنت أبي بكر الصديق-رضي الله عنهما-، قالت: قدمت عليّ أمي؛ وهي مشركة في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: يا رسول الله! قدمت عليّ أمي، وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال:
«نعم صلي أمّك». رواه البخاري، ومسلم، ومعنى: راغبة، أي: طامعة فيما عندي، تسألني الإحسان إليها. وفي رواية أخرى راغمة، أي: كارهة للإسلام، واسم أمها قتيلة بنت عبد العزى، طلقها أبو بكر-رضي الله عنه-قبل الهجرة لكفرها، وإبائها الإسلام، أما أم عائشة-رضي الله عنهما-فهي قديمة الإسلام، واسمها زينب الفراسيّة، وتكنى أم رومان-رضي الله عنهما-.
{وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ} أي: اتبع دين من رجع إلي بالإسلام والتوبة، فقد حكى النقاش وغيره: أن المأمور سعد، والذي أناب إلى الله: أبو بكر. وقال: إن أبا بكر لما أسلم أتاه سعد، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان، وطلحة، وسعيد، والزبير، فقالوا: آمنت بهذا الرجل، وصدقته؟! قال: نعم إنه صادق، فآمنوا به! ثم ذهب بهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى أسلموا، فهؤلاء لهم سابقة الإسلام أسلموا بإرشاد أبي بكر، -رضي الله عنهم أجمعين-.