الشرح:{وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ} أي: محبوسة، مقبوضة عن الرزق، والبذل، والعطاء، فنسبوا إلى الله البخل، والقبض، تعالى الله عن ذلك! وغلّ اليد، وبسطها مجاز عن البخل، والجود. ومنه قوله تعالى في سورة (الإسراء): {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ} انظر شرحها هناك؛ فإنّه جيد، والحمد لله! وانظر مثل مقالتهم الخبيثة هذه في الآية رقم [١٨١] من سورة (آل عمران). وقائل هذه المقالة الخبيثة هنا، وهناك: فنحاص بن عازوراء لعنه الله! وسببها ما يلي:
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إنّ الله عزّ وجل كان قد بسط على اليهود حتّى كانوا في المدينة أكثر الناس أموالا، وأخصبهم ناحية، فلمّا عصوا الله، وكفروا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم كفّ عنهم ما بسط عليهم من السّعة، فعند ذلك قال الخبيث هذه المقالة:{يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ} يعني: محبوسة مقبوضة عن الرزق، والبذل، والعطاء، ولما قال الخبيث هذه المقالة الخبيثة، ولم ينهه بقية اليهود، ورضوا بقوله، فإنّ الله جلّت قدرته أشركهم معه جميعا فيما حكى عنهم. تعالى الله عن قولهم علوّا كبيرا!.
هذا؛ ولمّا كانت اليد آلة لكل الأعمال؛ لا سيما لدفع المال، وإنفاقه، وإمساكه، فقالوا:
هذه المقالة، فأطلقوا اسم السبب على المسبب، وأسندوا الجود، والبخل إلى اليد مجازا، فقيل للجواد الكريم: فياض اليد، ومبسوط اليد. وقيل للبخيل: مقبوض اليد، ومغلول اليد، وجعد الأصابع، وكزّ الأنامل، قال الشاعر:[البسيط]
كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها... وكلّ باب من الخيرات مفتوح
فاستبدلت بعده جعدا أنامله... كأنّما وجهه بالخلّ منضوح
{غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا} يعني: أمسكت أيديهم عن كلّ خير، وطردوا عن رحمة الله. قال الزجّاج: ردّ الله عليهم، فقال: أنا الجواد الكريم، وهم البخلاء، وأيديهم هي المغلولة الممسوكة. وقيل: هذا دعاء عليهم، علّمنا الله كيف ندعو عليهم، فقال:{غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} أي في نار جهنّم، فعلى هذا هو من الغلّ حقيقة؛ أي: شدّت أيديهم إلى أعناقهم، وطرحوا في النّار جزاء لهم على هذا القول. هذا؛ ويقال لهم، ولأمثالهم يوم القيامة: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ}