قومه خاصّة، وبعثت إلى الناس عامّة». وفي الصحيح أيضا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بعثت إلى الأحمر، والأسود». قال مجاهد: يعني: الجن، والإنس. وقال غيره: يعني العرب، والعجم.
والكل صحيح. {بَشِيراً} أي: لمن آمن بالجنة. {وَنَذِيراً} أي: لمن كذب، وكفر بالنار. هذا؛ وبين {بَشِيراً} و (نذيرا) طباق، وهو من المحسنات البديعية. {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ:}
انظر الآية رقم [٦] من سورة (الروم) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
(الناس): اسم جمع لا واحد له من لفظه، مثل قوم ورهط... إلخ، واحده: إنسان من غير لفظه، وهو يطلق على الإنس، والجن، لكن غلب استعماله في الإنس، قال تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ} وأصله:
الأناس، حذفت منه الهمزة تخفيفا على غير قياس، وحذفها مع لام التعريف كاللازم، لا يكاد يقال: الأناس، وقد نطق القرآن الكريم بهذا الأصل، ولكن بدون لام التعريف، قال تعالى:
{يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ} الآية رقم [٧١] من سورة (الإسراء). وقيل: إن أصله: النّوس، ولم يحذف منه شيء، وإنما قلبت الواو ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها.
الإعراب: {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {أَرْسَلْناكَ:} فعل، وفاعل، ومفعول به. {إِلاّ:} حرف حصر. {كَافَّةً:} حال من الكاف، قال أبو البقاء: والهاء زائدة للمبالغة. {لِلنّاسِ:} جار ومجرور متعلقان ب: {كَافَّةً} أي: وما أرسلناك إلا كافا للناس عن الكفر، والمعاصي. وقيل: هو حال من الناس إلا أنه ضعيف عند الأكثرين؛ لأن صاحب الحال مجرور. ويضعف هنا من وجه آخر، وذلك: أن اللام على هذا تكون بمعنى: إلى؛ إذ المعنى:
أرسلناك إلى الناس، ويجوز أن يكون التقدير: من أجل الناس. انتهى.، واعتبره الزمخشري في الكشاف صفة لمصدر محذوف، التقدير: إلا إرسالة كافة. وقد رده ابن هشام في المغني أقبح رد. هذا؛ وذكر الجمل الأقوال الثلاثة. {بَشِيراً:} حال من الكاف. {وَنَذِيراً:} معطوف عليه، والجملة الفعلية: {أَرْسَلْناكَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها. {وَلكِنَّ:} الواو: حرف عطف.
(لكن): حرف مشبه بالفعل. {أَكْثَرَ:} اسمها، و {أَكْثَرَ} مضاف، و {النّاسِ} مضاف إليه. {إِلاّ:} نافية. {يَعْلَمُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، ومفعوله محذوف للتعميم، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (لكن)، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
{وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩)}
الشرح: {وَيَقُولُونَ مَتى هذَا..}. إلخ: يقول الكافرون بطريق الاستهزاء، والسخرية: متى هذا الوعد؟! يعنون به المبشر به، والمنذر عنه، أو الموعود بقوله تعالى: {يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ}