رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الاسمية:{أُولئِكَ..}. إلخ في محل رفع خبر المبتدأ. هذا؛ والكثير اقتران مثل هذه الجملة بالفاء؛ لأن الموصول يشبه الشرط في العموم، وقد مر معنا كثير منه، والجملة الاسمية:
{وَالَّذِينَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها، وهو أقوى من العطف على ما قبلها.
الشرح:{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ:} تقدم هذا في الآية [٣٦] مستوفى ولكن ما في هذه الآية في شخص واحد باعتبار وقتين، وما سبق في حق شخصين، فلا تكرير، ولا تكرار. وقيل: بل هو توكيد. وقيل: كررت الآية لاختلاف القصد؛ فإن القصد بالأول الكفار، والقصد هنا ترغيب المؤمنين في الإنفاق.
{وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} أي: مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم الله به؛ فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبذل، وفي الآخرة بحسن المثوبة وعظم الجزاء، وكريم الثواب، وما في الدنيا يكون عاجلا، أو آجلا، كما ثبت في الحديث القدسي عن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: قال الله تعالى: «يا عبدي أنفق أنفق عليك». وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«يد الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحّاء بالليل، والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم يغض ما بيده، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان يخفض، ويرفع». رواه البخاري ومسلم.
وعن أسماء بنت أبي بكر-رضي الله عنها-قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا توكي فيوكى عليك». وفي رواية:«أنفقي، أو انفحي، أو انضحي، ولا تحصي، فيحصي الله عليك، ولا توعي، فيوعي الله عليك». رواه البخاري، ومسلم. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهمّ أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا». أخرجه مسلم. فهذه أحاديث صحيحة صريحة، ترغب في إنفاق المال في وجوه الخير، وخذ ما يلي:
روى الدارقطني، وأبو أحمد بن عدي عن عبد الحميد الهلالي: عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ معروف صدقة، ما أنفق الرجل على نفسه، وأهله؛ كتاب له صدقة، وما وقى به الرجل عرضه؛ فهو له صدقة، وما أنفق الرجل من نفقة؛ فعلى الله خلفها، إلا ما كان من نفقة في بنيان، أو معصية». قال عبد الحميد:
قلت لابن المنكدر: ما وقى الرجل به عرضه؟ قال: يعطي الشاعر وذا اللسان.