للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظّالِمِينَ (٤٤)}

الشرح: {وَنادى أَصْحابُ..}. إلخ: أي: نادى أهل الجنة أهل النار. وهذا النداء، إنما يكون بعد استقرار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار. {أَنْ قَدْ وَجَدْنا..}. إلخ: يعني: ما وعدنا ربنا في الدنيا على ألسنة رسله من الثواب على الإيمان به، وبرسله، وطاعته. {حَقًّا} أي: ثابتا موجودا. {فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} أي: ما وعدكم به ربكم من العقاب على ألسنة الرسل، وذلك بسبب الكفر. {قالُوا:} انظر «القول» في الآية رقم [٥]. {نَعَمْ:} حرف جواب كأجل، وجير، وإي، وبلى. ونقيضها: لا. و «نعم» تكون لتصديق المخبر، أو إعلام المستخبر، أو وعد الطالب. {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ:} قيل: المؤذن إسرافيل. وقيل: غيره من الملائكة. هذا؛ والأذان:

الإعلام، والمعنى: نادى مناد أسمع الفريقين: {أَنْ لَعْنَةُ اللهِ} نازلة {عَلَى الظّالِمِينَ} أنفسهم بالكفر. بعد هذا انظر شرح: {أَصْحابُ} في الآية رقم [٣٦] و {الْجَنَّةِ:} في الآية رقم [٤٠].

{النّارِ:} انظر الآية رقم [١٢]. {رَبُّنا:} انظر الآية رقم [٣]. {حَقًّا:} انظر الآية رقم [٣٣].

{قالُوا:} انظر «القول» في الآية رقم [٥]. {الظّالِمِينَ:} انظر الآية رقم [١٤٦] من سور (المائدة).

{وَعَدَنا:} فلا بد من شرح الوعد، والتوسع به هنا، فأقول-وبالله التوفيق-: إذا قلت:

وعدت فلانا من غير أن تتعرض لذكر الموعود به؛ كان ذلك خيرا، وإذا قلت: أوعدت فلانا من غير ذكر الموعد به؛ كان ذلك شرّا، وهو ما في بيت طرفة بن العبد: [الطويل]

وإنّي وإن أوعدته أو وعدته... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

وهذا هو قول الجوهري، وقول كثير من أئمة اللغة، وأما عند ذكر الموعود به، أو الموعد به، فيجوز أن يستعمل «وعد» في الخير، وفي الشر، فمن الأول قوله تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}. ومن الثاني قوله جل شأنه: {قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}. وأنشدوا: [الطويل]

إذا وعدت شرّا أتى قبل وقته... وإن وعدت خيرا أراث وعتّما

كما يستعمل (أوعد) فيهما أيضا، كقولك: «أوعدت الرجل خيرا، وأوعدته شرّا». هذا؛ والمركز في الطبائع: أن من مكارم الأخلاق، وجميل العادات: أنك إذا وعدت غيرك أن تنزل به شرّا؛ كان الخلف محمدة، وإذا وعدته خيرا؛ كان الخلف منقصة، وهذا ما أراده طرفة في بيته المتقدم. هذا؛ والثابت عند الأشاعرة: أنه يجوز إخلاف الوعيد في حقه تعالى كرما، وعند الماتريدية لا يجوز. وأما الوعد؛ فلا يجوز الخلف في حقه تعالى اتفاقا. دليل الأشاعرة قول

<<  <  ج: ص:  >  >>