غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ. فَذَكَرَ قِصَّةَ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ مُرْسَلَةً، وَكَانَ سَيِّدًا مُطَاعًا شَرِيفًا فِي دَوْسٍ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ مَكَّةَ فَاجْتَمَعَ بِهِ أَشْرَافُ قُرَيْشٍ وَحَذَّرُوهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَنَهَوْهُ أَنْ يَجْتَمِعَ بِهِ أَوْ يَسْمَعَ كَلَامَهُ، قال فو الله مَا زَالُوا بِي حَتَّى أَجْمَعْتُ أَنْ لَا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا أُكَلِّمَهُ، حَتَّى حَشَوْتُ أُذُنِيَّ حِينَ غَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ كُرْسُفًا [١] فَرَقًا مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَسْمَعَهُ. قَالَ فَغَدَوْتُ إِلَى المسجد فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، قَالَ فَقُمْتُ مِنْهُ قَرِيبًا فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ، قَالَ فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا، قَالَ فقلت في نفسي وا ثكل أُمِّي وَاللَّهِ إِنِّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيَّ الْحَسَنُ مِنَ الْقَبِيحِ فَمَا يَمْنَعُنِي أَنَّ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ مَا يَقُولُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ حَسَنًا قَبِلْتُهُ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتُهُ. قَالَ: فَمَكَثْتُ حَتَّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتَهُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ قومك قالوا لي كذا وكذا- الّذي قالوا- قال فو الله مَا بَرِحُوا بِي يُخَوِّفُونَنِي أَمْرَكَ حَتَّى سَدَدْتُ أُذُنَيَّ بِكُرْسُفٍ لِئَلَّا أَسْمَعَ قَوْلَكَ، ثُمَّ أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُسْمِعَنِي قَوْلَكَ فَسَمِعْتُ قَوْلًا حَسَنًا، فَاعْرِضْ عَلَيَّ أَمْرَكَ: قَالَ فَعَرَضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيَّ الْقُرْآنَ فَلَا وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَلَا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ. قَالَ فَأَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ شَهَادَةَ الْحَقِّ وَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي امْرُؤٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي، وَإِنِّي رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ وَدَاعِيهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي آيَةً تَكُونُ لِي عَوْنًا عَلَيْهِمْ فِيمَا أَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ. قَالَ فَقَالَ: «اللَّهمّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً» قَالَ فَخَرَجْتُ إِلَى قَوْمِي حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةٍ تُطْلِعُنِي على الحاضر، وقع بين عيني نور مِثْلُ الْمِصْبَاحِ. قَالَ فَقُلْتُ: اللَّهمّ فِي غَيْرِ وَجْهِي فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَظُنُّوا بِهَا مُثْلَةً وَقَعَتْ فِي وَجْهِي لِفِرَاقِي دِينَهُمْ، قَالَ فَتَحَوَّلَ فوقع في رأس سوطي قال فجعل الحاضرون يَتَرَاءَوْنَ ذَلِكَ النُّورَ فِي رَأْسِ سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ المعلق وأنا أتهبط عَلَيْهِمْ مِنَ الثَّنِيَّةِ حَتَّى جِئْتُهُمْ فَأَصْبَحْتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا نَزَلْتُ أَتَانِي أَبِي- وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا- فقلت: إليك عنى- يا أبة فَلَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي، قَالَ وَلِمَ يَا بُنَيَّ؟ قَالَ قُلْتُ أَسْلَمْتُ وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: أَيْ بُنَيَّ فدينك ديني. فَقُلْتُ فَاذْهَبْ فَاغْتَسِلْ وَطَهِّرْ ثِيَابَكَ ثُمَّ ائْتِنِي حَتَّى أُعَلِّمَكَ مِمَّا عَلِمْتُ. قَالَ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ وطهر ثيابه، ثُمَّ جَاءَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ، قَالَ ثُمَّ أَتَتْنِي صَاحِبَتِي فَقُلْتُ إِلَيْكِ عَنِّي فَلَسْتُ مِنْكِ وَلَسْتَ مِنِّي. قَالَتْ: وَلِمَ؟ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. قَالَ قُلْتُ فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ الْإِسْلَامُ، وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت فديني دينك. قال: فقلت فاذهبي إلى حمى ذِي الشَّرَى فَتَطَهَّرِي مِنْهُ، وَكَانَ ذُو الشَّرَى صنما لدوس وكان الحمى حمى حموه حوله بِهِ وَشَلٌ مِنْ مَاءٍ يَهْبِطُ مِنْ جَبَلٍ. قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَتَخْشَى عَلَى الصَّبِيَّةِ من ذي الشري شيئا؟ قُلْتُ لَا، أَنَا ضَامِنٌ لِذَلِكَ. قَالَ فَذَهَبَتْ فَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ جَاءَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَتْ، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطئوا على، ثم جئت رسول
[١] الكرسف هو القطن كذا في هامش الحلبية والقاموس.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute