وقاضى القضاة الدامغانيّ والماوردي، ورئيس الرؤساء ابن المسلمة. فلما كان شعبان ذهب رئيس الرؤساء إلى الملك طغرلبك وقال له: أمير المؤمنين يقول لك قال الله تعالى ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها﴾ وقد أمرنى أن أنقل الوديعة إلى داره العزيزة، فقال: السمع والطاعة، فذهبت أم الخليفة لدار الملك لاستدعاء العروس، فجاءت معها وفي خدمتها الوزير عميد الملك والحشم، فدخلوا داره وشافه الوزير الخليفة عن عمها وسأله اللطف بها والإحسان إليها، فلما دخلت إليه قبّلت الأرض مرارا بين يديه، فأدناها إليه وأجلسها إلى جانبه، وأفاض عليها خلعا سنية وتاجا من جوهر ثمين، وأعطاها من الغدمائة ثوب ديباجا، وقصبات من ذهب، وطاسة ذهب قد نبت فيها الجوهر والياقوت والفيروزج، وأقطعها في كل سنة من ضياعه ما يغل اثنا عشر ألف دينار، وغير ذلك.
وفيها أمر السلطان طغرلبك ببناء دار الملك العضدية فخربت محال كثيرة في عمارتها، ونهبت العامة أخشابا كثيرة من دور الأتراك، والجانب الغربي، وباعوه على الخبازين والطباخين، وغيرهم.
وفيها رجع غلاء شديد على الناس وخوف ونهب كثير ببغداد، ثم أعقب ذلك فناء كثير بحيث دفن كثير من الناس بغير غسل ولا تكفين، وغلت الأشربة وما تحتاج إليه المرضى كثيرا، واعترى الناس موت كثير، واغبر الجو وفسد الهواء. قال ابن الجوزي: وعم هذا الوباء والغلاء مكة والحجاز وديار بكر والموصل وبلاد بكر وبلاد الروم وخراسان والجبال والدنيا كلها. هذا لفظه في المنتظم. قال:
وورد كتاب من مصر أن ثلاثة من اللصوص نقبوا بعض الدور فوجدوا عند الصباح موتى أحدهم على باب النقب، والثاني على رأس الدرجة، والثالث على الثياب التي كورها ليأخذها فلم يمهل.
وفيها أمر رئيس الرؤساء بنصب أعلام سود في الكرخ، فانزعج أهلها لذلك، وكان كثير الأذية للرافضة، وإنما كان يدافع عنهم عميد الملك الكندري، وزير طغرلبك. وفيها هبت ريح شديدة وارتفعت سحابة ترابية وذلك ضحى، فأظلمت الدنيا، واحتاج الناس في الأسواق وغيرها إلى السرج.
قال ابن الجوزي: وفي العشر الثاني من جمادى الآخرة ظهر وقت السحر كوكب له ذؤابة طولها في رأى العين نحو من عشرة أذرع، وفي عرض نحو الذراع، ولبث كذلك إلى النصف من رجب، ثم اضمحل. وذكروا أنه طلع مثله بمصر فملكت وخطب بها للمصريين. وكذلك بغداد لما طلع فيها ملكت وخطب بها للمصريين. وفيها ألزم الروافض بترك الأذان بحي على خير العمل، وأمروا أن ينادى مؤذنهم في أذان الصبح، بعد حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم، مرتين، وأزيل ما كان على أبواب المساجد ومساجدهم من كتابة: محمد وعلى خير البشر، ودخل المنشدون من باب البصرة إلى باب الكرخ، ينشدون بالقصائد التي فيها مدح الصحابة، وذلك أن نوء الرافضة اضمحل، لأن بنى بويه كانوا حكاما، وكانوا يقوونهم وينصرونهم، فزالوا وبادوا، وذهبت دولتهم، وجاء بعدهم قوم آخرون