للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملوك، لا قبله ولا بعده، وغنم مغانم منهم كثيرة لا تنحصر ولا تنضبط، من الذهب واللآلي، والسبي، وكسر من أصنامهم شيئا كثيرا، وأخذ من حليتها. وقد تقدم ذلك مفصلا متفرقا في السنين المتقدمة من أيامه، ومن جملة ما كسر من أصنامهم صنم يقال له سومنات، بلغ ما تحصل من حليته من الذهب عشرين ألف ألف دينار، وكسر ملك الهند الأكبر الّذي يقال له صينال، وقهر ملك الترك الأعظم الّذي يقال له إيلك الخان، وأباد ملك السامانية، وقد ملكوا العالم في بلاد سمرقند وما حولها، ثم هلكوا. وبنى على جيحون جسرا تعجز الملوك والخلفاء عنه، غرم عليه ألفى ألف دينار، وهذا شيء لم يتفق لغيره، وكان في جيشه أربعمائة فيل تقاتل، وهذا شيء عظيم هائل، وجرت له فصول يطول تفصيلها، وكان مع هذا في غاية الديانة والصيانة وكراهة المعاصي وأهلها، لا يحب منها شيئا، ولا يألفه، ولا أن يسمع بها، ولا يجسر أحد أن يظهر معصية ولا خمرا في مملكته، ولا غير ذلك، ولا يحب الملاهي ولا أهلها، وكان يحب العلماء والمحدثين ويكرمهم ويجالسهم، ويحب أهل الخير والدين والصلاح، ويحسن إليهم، وكان حنفيا ثم صار شافعيا على يدي أبى بكر القفال الصغير على ما ذكره إمام الحرمين وغيره، وكان على مذهب الكرامية في الاعتقاد، وكان من جملة من يجالسه منهم محمد بن الهيضم، وقد جرى بينه وبين أبى بكر بن فورك مناظرات بين يدي السلطان محمود في مسألة العرش، ذكرها ابن الهيضم في مصنف له، فمال السلطان محمود إلى قول ابن الهيضم، ونقم على ابن فورك كلامه، وأمر بطرده وإخراجه، لموافقته لرأى الجهمية، وكان عادلا جيدا، اشتكى إليه رجل أن ابن أخت الملك يهجم عليه في داره وعلى أهله في كل وقت، فيخرجه من البيت ويختلى بامرأته، وقد حار في أمره، وكلما اشتكاه لأحد من أولى الأمر لا يجسر أحد عليه خوفا وهيبة للملك.

فلما سمع الملك ذلك غضب غضبا شديدا وقال للرجل، ويحك متى جاءك فائتنى فأعلمني، ولا تسمعن من أحد منعك من الوصول إلى، ولو جاءك في الليل فائتنى فأعلمني، ثم إن الملك تقدم إلى الحجبة وقال لهم: إن هذا الرجل متى جاءني لا يمنعه أحد من الوصول إليّ من ليل أو نهار، فذهب الرجل مسرورا داعيا، فما كان إلا ليلة أو ليلتان حتى هجم عليه ذلك الشاب فأخرجه من البيت واختلى بأهله، فذهب باكيا إلى دار الملك فقيل له إن الملك نائم، فقال: قد تقدم إليكم أن لا أمنع منه ليلا ولا نهارا، فنبهوا الملك فخرج معه بنفسه وليس معه أحد، حتى جاء إلى منزل الرجل فنظر إلى الغلام وهو مع المرأة في فراش واحد، وعندهما شمعة تقد، فتقدم الملك فأطفأ الضوء ثم جاء فاحتز رأس الغلام وقال للرجل: ويحك الحقنى بشربة ماء، فأتاه بها فشرب ثم انطلق الملك ليذهب، فقال له الرجل:

بالله لم أطفأت الشمعة؟ قال: ويحك إنه ابن أختى، وإني كرهت أن أشاهده حالة الذبح، فقال: ولم طلبت الماء سريعا؟ فقال الملك: إني آليت على نفسي منذ أخبرتنى أن لا أطعم طعاما ولا أشرب

<<  <  ج: ص:  >  >>