عليه جدا. وذكره الامام أحمد بن حنبل يوما فقال:﵀ ما كان أسخاه بنفسه لله، لقد جاد بنفسه له. وقال جعفر بن محمد الصائغ: بصرت عيناي وإلا فقئتا وسمعت أذناى وإلا فصمتا أحمد ابن نصر الخزاعي حين ضربت عنقه يقول رأسه: لا إله إلا الله. وقد سمعه بعض الناس وهو مصلوب على الجذع ورأسه يقرأ ﴿الم * أَحَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ قال:
فاقشعر جلدي. ورآه بعضهم في النوم فقال له: ما فعل بك ربك؟ فقال: ما كانت إلا غفوة حتى لقيت الله ﷿ فضحك إلى. ورأى بعضهم رسول الله ﷺ في المنام ومعه أبو بكر وعمر، قد مروا على الجذع الّذي عليه رأس أحمد بن نصر،
فلما جاوزوه أعرض رسول الله ﷺ بوجهه الكريم عنه فقيل له: يا رسول الله مالك أعرضت عن أحمد بن نصر فقال: «أعرضت عنه استحياء منه حين قتله رجل يزعم أنه من أهل بيتي».
ولم يزل رأسه منصوبا من يوم الخميس الثامن والعشرين من شعبان من هذه السنة - أعنى سنة إحدى وثلاثين ومائتين - إلى بعد عيد الفطر بيوم أو يومين من سنة سبع وثلاثين ومائتين، فجمع بين رأسه وجثته ودفن بالجانب الشرقي من بغداد بالمقبرة المعروفة بالمالكية ﵀. وذلك بأمر المتوكل على الله الّذي ولى الخلافة بعد أخيه الواثق، وقد دخل عبد العزيز بن يحيى الكتاني - صاحب كتاب الحيدة - على المتوكل وكان من خيار الخلفاء لأنه أحسن الصنيع لأهل السنة، بخلاف أخيه الواثق وأبيه المعتصم وعمه المأمون، فإنهم أساءوا إلى أهل السنة وقربوا أهل البدع والضلال من المعتزلة وغيرهم، فأمره أن ينزل جثة محمد بن نصر ويدفنه ففعل، وقد كان المتوكل يكرم الإمام أحمد بن حنبل إكراما زائدا جدا كما سيأتي بيانه في موضعه. والمقصود أن عبد العزيز صاحب كتاب الحيدة قال للمتوكل: يا أمير المؤمنين ما رأيت أو ما رئي أعجب من أمر الواثق، قتل أحمد بن نصر وكان لسانه يقرأ القرآن إلى أن دفن. فوجل المتوكل من كلامه وساءه ما سمع في أخيه الواثق، فلما دخل عليه الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات قال له المتوكل: في قلبي شيء من قتل أحمد بن نصر. فقال:
يا أمير المؤمنين أحرقني الله بالنار إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا ودخل عليه هرثمة فقال له في ذلك فقال: قطعني الله إربا إربا إن قتله إلا كافرا. ودخل عليه القاضي أحمد بن أبى داود فقال له مثل ذلك فقال: ضربني الله بالفالج إن قتله الواثق إلا كافرا. قال المتوكل: فأما ابن الزيات فأنا أحرقته بالنار. وأما هرثمة فإنه هرب فاجتاز بقبيلة خزاعة فعرفه رجل من الحي فقال: يا معشر خزاعة هذا الّذي قتل ابن عمكم أحمد بن نصر فقطعوه. فقطعوه إربا إربا. وأما ابن أبى دؤاد فقد سجنه الله في جلده - يعنى بالفالج - ضربه الله قبل موته بأربع سنين، وصودر من صلب ما له بمال جزيل جدا كما سيأتي بيانه في موضعه.