قال عكرمة والسدي كان سقاء وقال وهب بن منبه كان دباغا. وقيل غير ذلك فالله أعلم ولهذا ﴿قالُوا (أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ﴾ وقد ذكروا أن النبوة كانت في سبط لاوى وأن الملك كان في سبط يهوذا فلما كان هذا من سبط بنيامين نفروا منه وطعنوا في إمارته عليهم وقالوا نحن أحق بالملك منه وذكروا أنه فقير لا سعة من المال معه فكيف يكون مثل هذا ملكا.
﴿قالَ إِنَّ اللهَ اِصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾. قيل كان الله قد أوحى إلى شمويل أن أيّ بنى إسرائيل كان طوله على طول هذه العصا وإذا حضر عندك يفور هذا القرن الّذي فيه من دهن القدس فهو ملكهم فجعلوا يدخلون ويقيسون أنفسهم بتلك العصا فلم يكن أحد منهم على طولها سوى طالوت ولما حضر عند شمويل فار ذلك القرن فدهنه منه وعينه الملك عليهم وقال لهم ﴿إِنَّ اللهَ اِصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ﴾ قيل في أمر الحروب وقيل بل مطلقا ﴿وَالْجِسْمِ﴾ قيل الطول وقيل الجمال والظاهر من السياق أنه كان أجملهم وأعلمهم بعد نبيهم ﵇ ﴿وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ﴾ فله الحكم وله الخلق والأمر ﴿وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ * وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ وهذا أيضا من بركة ولاية هذا الرجل الصالح عليهم ويمنه عليهم أن يرد الله عليهم التابوت الّذي كان سلب منهم وقهرهم الأعداء عليه وقد كانوا ينصرون على أعدائهم بسببه ﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ قيل طشت من ذهب كان يغسل فيه صدور الأنبياء. وقيل السكينة مثل الريح الخجوج. وقيل صورتها مثل الهرة إذا صرخت في حال الحرب أيقن بنو إسرائيل بالنصر ﴿وَبَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ﴾ قيل كان فيه رضاض الألواح وشيء من المن الّذي كان نزل عليهم بالتيه ﴿تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ﴾ أي تأتيكم به الملائكة يحملونه وأنتم ترون ذلك عيانا ليكون آية لله عليكم وحجة باهرة على صدق ما أقوله لكم وعلى صحة ولاية هذا الملك الصالح عليكم ولهذا قال ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ وقيل إنه لما غلب العمالقة على هذا التابوت وكان فيه ما ذكر من السكينة والبقية المباركة. وقيل كان فيه التوراة أيضا فلما استقر في أيديهم وضعوه تحت صنم لهم بأرضهم فلما أصبحوا إذا التابوت على رأس الصنم فوضعوه تحته فلما كان اليوم الثاني إذا التابوت فوق الصنم فلما تكرر هذا علموا أن هذا أمر من الله تعالى فأخرجوه من بلدهم وجعلوه في قرية من قراهم فأخذهم داء في رقابهم فلما طال عليهم هذا جعلوه في عجلة وربطوها في بقرتين وأرسلوهما فيقال إن الملائكة ساقتهما حتى جاءوا بهما ملأ بنى إسرائيل وهم ينظرون كما أخبرهم نبيهم بذلك فالله أعلم على أي صفة جاءت به الملائكة والظاهر أن الملائكة كانت تحمله بأنفسهم كما هو المفهوم بالجنود من الآية والله أعلم * وإن كان الأول قد ذكره كثير من المفسرين أو أكثرهم ﴿فَلَمّا فَصَلَ طالُوتُ (بِالْجُنُودِ) قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاّ مَنِ اِغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾.