للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا البيت تستدل به الجهمية على أن الاستواء على العرش بمعنى الاستيلاء، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه، وليس في بيت هذا النصراني حجة ولا دليل على ذلك، ولا أراد الله ﷿ باستوائه على عرشه استيلاءه عليه، تعالى الله عن قول الجهمية علوا كبيرا، فإنه إنما يقال استوى على الشيء إذا كان ذلك الشيء عاصيا عليه قبل استيلائه عليه، كاستيلاء بشر على العراق، واستيلاء الملك على المدينة بعد عصيانها عليه، وعرش الرب لم يكن ممتنعا عليه نفسا واحدا، حتى يقال استوى عليه، أو معنى الاستواء الاستيلاء، ولا تجد أضعف من حجج الجهمية، حتى أداهم الإفلاس من الحجج إلى بيت هذا النصراني المقبوح وليس فيه حجة والله أعلم.

وقال الهيثم بن عدي عن عوانة بن الحكم قال: لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد إليه الشعراء فمكثوا ببابه أياما لا يؤذن لهم ولا يلتفت إليهم، فساءهم ذلك وهموا بالرجوع إلى بلادهم، فمر بهم رجاء بن حيوة فقال له جرير: -

يا أيها الرجل المرخى عمامته … هذا زمانك فاستأذن لنا عمرا

فدخل ولم يذكر لعمر من أمرهم شيئا، فمرّ بهم عدي بن أرطاة فقال له جرير منشدا:

يا أيها الراكب المرخى مطيته … هذا زمانك إني قد مضى زمنى

أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه … أنى لدى الباب كالمصفود في قرن

لا تنس حاجتنا لاقيت مغفرة … قد طال مكثي عن أهلي وعن وطني

فدخل عدي على عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين الشعراء ببابك وسهامهم مسمومة وأقوالهم نافذة، فقال: ويحك يا عدي، ما لي وللشعراء، فقال: يا أمير المؤمنين إن رسول الله قد كان يسمع الشعر ويجزى عليه، وقد أنشده العباس بن مرداس مدحه فأعطاه حلة، فقال له عمر: أتروي منها شيئا؟ قال: نعم فأنشده: -

رأيتك يا خير البرية كلها … نشرت كتابا جاء بالحق معلما

شرعت لنا دين الهدى بعد جورنا … عن الحق لما أصبح الحق مظلما

ونوّرت بالبرهان أمرا مدلسا … واطفأت بالقرآن نارا تضرما

فمن مبلغ عنى النبي محمدا … وكل امرئ يجزى بما كان قدما

أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجه … وكان قديما ركنه قد تهدما

تعالى علوا فوق عرش إلهنا … وكان مكان الله أعلا وأعظما

فقال عمر: من بالباب منهم؟ فقال: عمر بن أبى ربيعة، فقال أليس هو الّذي يقول:

ثم نبهتها فهبت كعابا … طفلة ما تبين رجع الكلام

<<  <  ج: ص:  >  >>