للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه بالقدوم عليه، حتى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاث أميال، لقيه الحر بن يزيد التميمي فقال له: أين تريد؟ فقال: أريد هذا المصر، فقال له: أرجع فانى لم أدع لك خلفي خيرا أرجوه، فهمّ الحسين أن يرجع، وكان معه إخوة مسلم بن عقيل، فقالوا: والله لا نرجع حتى نأخذ بثأرنا ممن قتل أخانا أو نقتل. فقال: لا خير في الحياة بعدكم، فسار فلقيه أوائل خيل ابن زياد، فلما رأى ذلك عاد إلى كربلاء فأسند ظهره إلى قصيتا وحلفا ليقاتل من جهة واحدة. فنزل وضرب أبنيته وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل، وكان عمر بن سعد بن أبى وقاص قد ولاه بن زياد الري وعهد إليه عهده، فقال: اكفني هذا الرجل واذهب إلى عملك، فقال: اعفنى. فأبى أن يعفيه، فقال: أنظرني الليلة، فأخره فنظر في أمره، فلما أصبح غدا عليه راضيا بما أمره به، فتوجه إليه عمر بن سعد فلما أتاه قال له الحسين: اختر واحدة من ثلاث، إما أن تدعوني فأنصرف من حيث جئت، وإما أن تدعوني فأذهب إلى يزيد، وإما أن تدعوني فألحق بالثغور. فقبل ذلك عمر، فكتب إليه عبيد الله ابن زياد لا ولا كرامة حتى يضع يده في يدي، فقال الحسين: لا والله لا يكون ذلك أبدا. فقاتله فقتل أصحاب الحسين كلهم وفيهم بضعة عشر شابا من أهل بيته، وجاءه سهم فأصاب ابنا له في حجره فجعل يمسح الدم ويقول: اللهمّ احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا، ثم أمر بحبرة فشقها ثم لبسها وخرج بسيفه فقاتل حتى قتل، قتله رجل من مذحج وحز رأسه فانطلق به إلى ابن زياد وقال في ذلك: -

أوقر ركابي فضة وذهبا … فقد قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا … وخيرهم إذ ينسبون نسبا

قال فأوفده إلى يزيد بن معاوية فوضع رأسه بين يديه، وعنده أبو برزة الأسلمي، فجعل يزيد ينكت بالقضيب على فيه ويقول: -

يفلّقن هاما من رجال أعزة … علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال له أبو برزة: ارفع قضيبك، فو الله لربما رأيت رسول الله واضعا فيه على فيه يلثمه.

قال: وأرسل عمر بن سعد بحرمة وعياله إلى ابن زياد، ولم يكن بقي من آل الحسين إلا غلام، وكان مريضا مع النساء، فأمر به ابن زياد ليقتل فطرحت زينب نفسها عليه وقالت: والله لا يقتل حتى تقتلوني، فرّق لها وكف عنه، قال: فأرسلهم إلى يزيد فجمع يزيد من كان بحضرته من أهل الشام ثم دخلوا عليه فهنّوه بالفتح، فقام رجل منهم أحمر أزرق - ونظر إلى وصيفة من بناته - فقال: يا أمير المؤمنين هب لي هذه، فقالت زينب: لا ولا كرامة لك ولا له، إلا أن تخرجا من دين الله، قال:

فأعادها الأزرق فقال له يزيد: كف عن هذا. ثم أدخلهم على عياله، ثم حملهم إلى المدينة، فلما دخلوها خرجت امرأة من بنى عبد المطلب ناشرة شعرها واضعة كمها على رأسها تتلقاهم وهي تبكى

<<  <  ج: ص:  >  >>