الخبر إلى خالد، قسم ما كان معه من أربعة أخماس غنيمة يوم ذات السلاسل وأرسل إلى الصديق بخبره مع الوليد بن عقبة، وسار خالد بمن معه من الجيوش حتى نزل على المذار، وهو على تعبئته، فاقتتلوا قتال حنق وحفيظة، وخرج قارن يدعو إلى البراز فبرز إليه خالد وابتدره الشجعان من الأمراء فقتل معقل بن الأعشى بن النباش قارنا، وقتل عدي بن حاتم قباذ، وقتل عاصم أنوشجان، وفرت الفرس وركبهم المسلمون في ظهورهم فقتلوا منهم يومئذ ثلاثين ألفا وغرق كثير منهم في الأنهار والمياه، وأقام خالد بالمذار وسلم الأسلاب إلى من قتل، وكان قارن قد انتهى شرفه في أبناء فارس * وجمع بقية الغنيمة وخمسها، وبعث بالخمس والفتح والبشارة إلى الصديق، مع سعيد بن النعمان، أخى بنى عدي بن كعب وأقام خالد هناك حتى قسم أربعة الأخماس وسبى ذراري من حصره من المقاتلة، دون الفلاحين فأنه أقرهم بالجزية وكان في هذا السبي حبيب أبو الحسن البصري وكان نصرانيا ومافنّة مولى عثمان وأبو زياد مولى المغيرة بن شعبة * ثم أمر على الجند سعيد بن النعمان وعلى الجزية سويد ابن مقرّن، وأمره أن ينزل الحفير ليجبى إليه الأموال وأقام خالد يتجسس الأخبار عن الأعداء * ثم كان أمر الولجة في صفر أيضا من هذه السنة، فيما ذكره ابن جرير وذلك لأنه لما انتهى الخبر بما كان بالمذار من قبل قارن وأصحابه إلى أردشير وهو ملك الفرس يومئذ، بعث أميرا شجاعا يقال له الأندرزغر، وكان من أبناء السواد ولد بالمدائن ونشأ بها وأمده بجيش آخر مع أمير يقال له بهمن جاذويه، فساروا حتى بلغوا مكانا يقال له: الولجة، فسمع بهم خالد فسار بمن معه من الجنود ووصى من استخلفه هناك بالحذر وقلة الغفلة، فنازل أندرزغر ومن ناشب معه، واجتمع عنده بالولجة، فاقتتلوا قتالا شديدا هو أشد مما قبله، حتى ظن الفريقان أن الصبر قد فرغ، واستبطأ كمينه الّذي كان قد أرصدهم وراءه في موضعين، فما كان إلا يسيرا حتى خرج الكمينان من هاهنا ومن هاهنا، ففرت صفوف الأعاجم فأخذهم خالد من أمامهم والكمينان من ورائهم، فلم يعرف رجل منهم مقتل صاحبه، وهرب الأندرزغر من الوقعة فمات عطشا، وقام خالد في الناس خطيبا فرغبهم في بلاد الأعاجم وزهدهم في بلاد العرب وقال: ألا ترون ما هاهنا من الأطعمات؟ وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في سبيل الله والدعاء إلى الإسلام ولم يكن إلا المعاش لكان الرأى أن نقاتل على هذا الريف حتى نكون أولى به، ونولي الجوع والإقلال من تولاه ممن اثاقل عما أنتم عليه. ثم خمس الغنيمة، وقسم أربعة أخماسها بين الغانمين، وبعث الخمس إلى الصديق، وأسر من أسر من ذراري المقاتلة، وأقر الفلاحين بالجزية * وقال سيف بن عمر عن عمرو عن الشعبي، قال: بارز خالد يوم الولجة رجلا من الأعاجم يعدل بألف رجل فقتله، ثم اتكأ عليه وأتى بغدائه فأكله وهو متكئ عليه بين الصفين *