للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماذا تَرى فبادر الغلام الحليم سر والده الخليل إبراهيم ف ﴿قالَ يا أَبَتِ اِفْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصّابِرِينَ﴾ * وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد قال الله تعالى ﴿فَلَمّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ قيل أسلما أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك. وقيل هذا من المقدم والمؤخر والمعنى تله للجبين أي ألقاه على وجهه. قيل أراد أن يذبحه من قفاه لئلا يشاهده في حال ذبحه قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك. وقيل بل أضجعه كما تضجع الذبائح وبقي طرف جبينه لاصقا بالأرض وأسلما أي سمى إبراهيم وكبر وتشهد الولد للموت * قال السدي وغيره أمر السكين على حلقه فلم تقطع شيئا ويقال جعل بينها وبين حلقه صفيحة من نحاس والله أعلم. فعند ذلك نودي من الله ﷿ ﴿أَنْ يا إِبْراهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا﴾ أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك الى أمر ربك وبذلك ولدك للقربان كما سمحت ببدنك للنيران وكما مالك مبذول للضيفان ولهذا قال تعالى ﴿إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ﴾ أي الاختبار الظاهر البين وقوله ﴿وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يسره الله تعالى له من العوض عنه والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعين أقرن رآه مربوطا بسمرة في ثبير. قال الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا (١) وقال سعيد بن جبير كان يرتع في الجنة حتى تشقق عنه ثبير وكان عليه عهن أحمر.

وعن ابن عباس هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء فذبحه وهو الكبش الّذي قربه ابن آدم فتقبل منه. رواه ابن أبى حاتم * قال مجاهد فذبحه بمنى وقال عبيد بن عمير ذبحه بالمقام. فأما ما روى عن ابن عباس أنه كان وعلا وعن الحسن أنه كان تيسا من الأروى. واسمه جرير فلا يكاد يصح عنهما * ثم غالب ما هاهنا من الآثار مأخوذ من الإسرائيليات * وفي القرآن كفاية عما جرى من الأمر العظيم والاختبار الباهر وأنه فدى بذبح عظيم وقد ورد في الحديث أنه كان كبشا * قال الامام أحمد حدثنا سفيان حدثنا منصور عن خاله نافع عن صفية بنت شيبة قالت أخبرتنى امرأة من بنى سليم ولدت عامة أهل دارنا قالت أرسل رسول الله الى عثمان بن طلحة وقال مرة إنها سألت عثمان لم دعاك رسول الله قال إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت البيت فنسيت أن آمرك أن تخمرهما فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلى قال سفيان لم تزل قرنا الكبش في البيت حتى احترق البيت فاحترقا. وهذا روى عن ابن عباس أن رأس الكبش لم يزل معلقا عند ميزاب الكعبة قد يبس. وهذا وحده دليل على أن الذبيح إسماعيل لأنه كان هو المقيم بمكة. وإسحاق لا نعلم أنه قدمها في حال صغره والله أعلم.

وهذا هو الظاهر من القرآن بل كأنه نص على أن الذبيح هو إسماعيل لانه ذكر قصة الذبيح ثم قال


(١) وفي نسخة سبعين خريفا *

<<  <  ج: ص:  >  >>