للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على معان ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا نكتب الى رسول الله نخبره بعدد عدونا، فاما أن يمدنا بالرجال، وإما ان يأمرنا بأمره فنمضى له، قال فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال: يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الّذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي احدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة، قال فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة، فمضى الناس فقال عبد الله بن رواحة في محبسهم ذلك:

جلبنا الخيل من اجأ وفرع … تغرّ من الحشيش الى العكوم

حدوناها من الصوان سبتا … أزل كأن صفحته أديم

أقامت ليلتين على معان … فاعقب بعد فترتها جموم

فرحنا والجياد مسومات … تنفس في مناخرها سموم

فلا وابى مآب لنأتينها … وإن كانت بها عرب وروم

فعبأنا أعنتها فجاءت … عوابس والغبار لها يريم

بذي لحب كأن البيض فيه … إذا برزت قوانسها النجوم

فراضية المعيشة طلقتها … أسنتنا (١) فتنكح أو تئيم

قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبى بكر أنه حدث عن زيد بن أرقم قال: كنت يتيما لعبد الله بن رواحة في حجره، فخرج بى في سفره ذلك مردفى على حقيبة رحله فو الله انه ليسير ليلتئذ سمعته وهو ينشد أبياته هذه:

إذا أدنيتنى وحملت رحلي … مسيرة أربع بعد الحساء

فشأنك أنعم وخلاك ذم … ولا أرجع الى أهلي ورائي

وجاء المسلمون وغادرونى … بأرض الشام مستنهى (٢) الثواء

وردك كل ذي نسب قريب … الى الرحمن منقطع الإخاء

هنالك لا أبالى طلع بعل … ولا نخل أسافلها رواء

قال فلما سمعتهن منه بكيت، فخفقني بالدرة وقال: ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتى الرحل؟ ثم قال عبد الله بن رواحة في بعض سفره ذلك وهو يرتجز.

يا زيد زيد اليعملات الذبل … تطاول الليل هديت فانزل


(١) في ابن هشام: أسنتها.
(٢) قال السهيليّ: مستنهى الثواء مستفعل من النهاية والانتهاء أي حيث انتهى مثواه، ومن رواه مشتهى الثواء (كما في الأصل) أي لا أريد رجوعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>