وَالنُّكْتَةُ فِي الْعُدُولِ عَنِ الْأَدَاةِ الصَّرِيحَةِ فِي الِامْتِنَاعِ هُنَا إيهامهم فِي بادىء الْأَمْرِ أَنَّ فَرْضَ الْوَلَدِ لِلَّهِ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَلِيَتَأَتَّى أَنْ يَكُونَ نَظْمُ الْكَلَامِ مُوَجَّهًا حَتَّى إِذَا تَأَمَّلُوهُ وَجَدُوهُ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَلَدٌ بِطَرِيقِ الْمَذْهَبِ الْكَلَامِيِّ. وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا رَوَاهُ فِي «الْكَشَّافِ» أَنَّ النَّضِرَ بْنَ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ قَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ. فَقَالَ النَّضِرُ: أَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَنِي، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: مَا صَدَقَكَ وَلَكِنْ قَالَ: مَا كَانَ للرحمان وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. وَرُوِيَ مُجْمَلُ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ السُّدِّيِّ فَكَانَ فِي نَظْمِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا النَّظْمِ إِيجَازٌ بَدِيعٌ، وَإِطْمَاعٌ لِلْخُصُومِ بِمَا إِنْ تَأَمَّلُوهُ اسْتَبَانَ وَجْهُ الْحَقِّ فَإِنْ أَعْرَضُوا بَعْدَ ذَلِكَ عُدَّ إِعْرَاضُهُمْ نُكُوصًا.
وَتَحْتَمِلُ الْآيَةُ وُجُوهًا أُخَرَ مِنَ الْمَعَانِي. مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إِن كَانَ للرحمان وَلَدٌ فِي زَعْمِكُمْ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ لِلَّهِ، أَيْ فَأَنَا أول الْمُؤمنِينَ بتكذيبكم، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، أَيْ بِقَرِينَةِ تَذْيِيلِهِ بِجُمْلَةِ سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْآيَةَ.
وَمِنْهَا، أَنْ يَكُونَ حَرْفُ إِنْ لِلنَّفْيِ دُونَ الشَّرْطِ، وَالْمَعْنَى: مَا كَانَ للرحمان وَلَدٌ فَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ: أَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ لِلَّهِ، أَيْ أَتَنَزَّهُ عَنْ إِثْبَاتِ الشَّرِيكِ لَهُ، وَهَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَابْنِهِ. وَمِنْهَا: تَأْوِيلُ الْعابِدِينَ أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ عَبَدَ يَعْبُدُ مِنْ بَابِ فَرِحَ، أَيْ أَنِفَ وَغَضِبَ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ، وَطَعَنَ فِيهِ نِفْطَوَيْهِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ فِي اسْمِ فَاعِلِ عَبَدَ يَعْبُدُ عَبْدٌ وَقَلَّمَا يَقُولُونَ: عَابِدٌ وَالْقُرْآنُ لَا يَأْتِي بِالْقَلِيلِ مِنَ اللُّغَةِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَلَدٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَفَتْحِ اللَّامِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَلَدٌ بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ جَمْعُ وَلَدٍ.
وَجُمْلَةُ سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ، يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَكْمِلَةً لِمَا أَمر الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَهُ، أَيْ قُلْ: إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ عَلَى الْفَرْضِ،
وَالتَّقْدِيرِ: مَعَ تَنْزِيهٍ عَنْ تَحَقُّقِ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. فَيَكُونُ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ حُكْمُ التَّالِي فِي جُزْأَيِ الْقِيَاسِ الشَّرْطِيِّ الِاسْتِثْنَائِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute