وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ فَأَفَادَ قَوْلُهُ: لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ أَنَّهُ مُسْتَحِقُّهُ وَأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ.
وَالدِّينُ: الطَّاعَةُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْخَالِصُ: السَّالِمُ مِنْ أَنْ يَشُوبَهُ تَشْرِيكُ غَيْرِهِ فِي عِبَادَتِهِ، فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ.
وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى مَعْنَى الْآيَةِ إِخْلَاصُ الْمُؤْمِنِ الْمُوَحِّدِ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، أَيْ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ لِأَجْلِهِ، أَيْ طَلَبًا لِرِضَاهُ وَامْتِثَالًا لِأَمْرِهِ وَهُوَ آيِلٌ إِلَى أَحْوَالِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا بِقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُوله فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة ينْكِحهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»
. وَعَرَّفَ الْغَزَالِيُّ الْإِخْلَاصَ بِأَنَّهُ تَجْرِيدُ قَصَدِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ عَنْ جَمِيعِ الشَّوَائِبِ.
وَالْإِخْلَاصُ فِي الْعِبَادَةِ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي إِلَى الْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ وَإِلَى تَرْكِ الْمَنْهِيِّ إِرْضَاءَ اللَّهَ تَعَالَى، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: لِوَجْهِ اللَّهِ، أَيْ لِقَصْدِ الِامْتِثَالِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ الْحَظُّ الدُّنْيَوِيُّ هُوَ الْبَاعِثُ عَلَى الْعِبَادَةِ مِثْلَ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ لِيَمْدَحَهُ النَّاسُ بِحَيْثُ لَوْ تَعَطَّلَ الْمَدْحُ لَتَرَكَ الْعِبَادَةَ.
وَلِذَا قِيلَ: الرِّيَاءُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، أَيْ إِذَا كَانَ هُوَ الْبَاعِثُ عَلَى الْعَمَلِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يُقَاتِلَ لِأَجْلِ الْغَنِيمَةِ فَلَوْ أَيِسَ مِنْهَا تَرَكَ الْقِتَالَ فَأَمَّا إِنْ كَانَ لِلنَّفْسِ حَظٌّ عَاجِلٌ وَكَانَ حَاصِلًا تَبَعًا لِلْعِبَادَةِ وَلَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ فَهُوَ مُغْتَفَرٌ وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ ذَلِكَ لَا تَخْلُو عَنْهُ النُّفُوسُ، أَوْ كَانَ مِمَّا يُعِينُ عَلَى الِاسْتِزَادَةِ مِنَ الْعِبَادَةِ.
وَفِي «جَامِعِ الْعُتْبِيَّةِ» فِي مَا جَاءَ مِنْ أَنَّ النِّيَّةَ الصَّحِيحَةَ لَا تُبْطِلُهَا الْخَطْرَةُ الَّتِي لَا تُمْلَكُ.
حَدَّثَ الْعُتْبِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ إِلَّا مُقَاتِلٌ، فَمِنْهُمْ مَنِ الْقِتَالُ طَبِيعَتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ رِيَاءً وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ احْتِسَابًا، فَأَيُّ هَؤُلَاءِ الشَّهِيدُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ: «مَنْ قَاتَلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ أَصْلُ أَمْرِهِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»
.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute