غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ فَ فَزَعٍ مُعَرَّفٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى (يَوْمَ) وَ (يَوْمَ) مُعَرَّفٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى (إِذْ) وَ (إِذْ) مُضَافَةٌ إِلَى جُمْلَتِهَا الْمُعَوِّضِ عَنْهَا تَنْوِينُ الْعِوَضِ. وَالتَّقْدِيرُ: مِنْ فَزَعِ يَوْمَ إِذْ يَأْتُونَ رَبَّهُمْ.
وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِتَنْوِينِ فَزَعٍ، ويَوْمَئِذٍ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُول فِيهِ فِيهِ مُتَعَلِّقًا بِ آمِنُونَ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ إِذِ الْمُرَادُ الْفَزَعُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [النَّمْل: ٨٧] فَلَمَّا كَانَ مُعَيَّنًا اسْتَوَى تَعْرِيفُهُ وَتَنْكِيرُهُ. فَاتَّحَدَتِ الْقِرَاءَتَانِ مَعْنًى لِأَنَّ إِضَافَةَ الْمَصْدَرِ وَتَنْكِيرَهُ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ إِفَادَةِ الْعُمُومِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ فَزَعٌ وَاحِدٌ.
وَالْكَبُّ: جَعْلُ ظَاهِرِ الشَّيْءِ إِلَى الْأَرْضِ. وَعُدِّيَ الْكَبُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى الْوُجُوهِ دُونَ بَقِيَّةِ الْجَسَدِ وَإِنْ كَانَ الْكَبُّ لِجَمِيعِ الْجِسْمِ لِأَنَّ الْوُجُوهَ أَوَّلُ مَا يُقْلَبُ إِلَى الْأَرْضِ عِنْدَ الْكَبِّ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
يَكُبُّ عَلَى الْأَذْقَانِ دَوْحَ الْكَنَهْبَلِ وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ [الْأَعْرَاف: ١١٦] وَقَوْلِهِ وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ [الْأَعْرَاف: ١٤٩] وَقَوْلِ الْأَعْشَى:
وَأُقْدِمُ إِذَا مَا أَعْيُنُ النَّاسِ تَفْرَقُ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
تَذْيِيلٌ لِلزَّوَاجِرِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَالْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْغَيْبَةِ بِذِكْرِ الْأَسْمَاءِ الظَّاهِرَةِ وَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْغَائِبِ. وَذِكْرُ ضَمَائِرِهَا ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتى [النَّمْل: ٨٠] وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْآيَاتِ إِلَى هُنَا. وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَال: هَل يجزون إِلَّا مَا كَانُوا يعْملُونَ فَكَانَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ كَالتَّلْخِيصِ لِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى حَسَبِ عَقَائِدِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَمَا الْعَقِيدَةُ إِلَّا عَمَلُ الْقَلْبِ فَلِذَلِكَ وُجِّهَ الْخِطَابُ إِلَيْهِمْ بِالْمُوَاجَهَةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَقُولًا لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ يُوَجَّهُ إِلَى النَّاسِ يَوْمَئِذٍ، أَيْ لَا يُقَالُ لِكُلِّ فَرِيقٍ: هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute