مَنْ شاءَ اللَّهُ [النَّمْل: ٨٧] لِأَنَّ الْفَزَعَ مُقْتَضٍ الْحَشْرَ وَالْحُضُورَ لِلْحِسَابِ. وَ (مَنْ) فِي كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ شَرْطِيَّةٌ.
وَالْمَجِيءُ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ. وَالْبَاءُ فِي بِالْحَسَنَةِ وبِالسَّيِّئَةِ لِلْمُصَاحَبَةِ الْمَجَازِيَّةِ، وَمَعْنَاهَا: أَنَّهُ ذُو الْحَسَنَةِ أَوْ ذُو السَّيِّئَةِ. وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِهِ مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها فِي آخِرِ الْأَنْعَامِ [١٦٠] . فَالْمَعْنَى هُنَا:
مَنْ يَجِيءُ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ مِنْ فَاعِلِي الْحَسَنَةِ وَمَنْ جَاءَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ السَّيِّئَةِ، فَالْمَجِيءُ نَاظِرٌ إِلَى قَوْله وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ [النَّمْل: ٨٧] وَالْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ هُنَا لِلْجِنْسِ وَهُوَ يُحْمَلُ عَلَى أَكْمَلِ
أَفْرَادِهِ فِي الْمَقَامِ الْخَطَابِيِّ، أَيْ مَنْ تَمَحَّضَتْ حَالَتُهُ لِلْحَسَنَاتِ أَوْ كَانَتْ غَالِبَ أَحْوَالِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ، وَكَذَلِكَ الَّذِي كَانَتْ حَالَتُهُ مُتَمَحِّضَةً لِلسَّيِّئَاتِ أَوْ غَالِبَةً عَلَيْهِ، كَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ.
وخَيْرٌ مِنْها اسْمُ تَفْضِيلٍ اتَّصَلَتْ بِهِ (مِنَ) التَّفْضِيلِيَّةُ، أَيْ فَلَهُ جَزَاءٌ خَيْرٌ مِنْ حَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الْأَنْعَام: ١٦٠] أَوْ خَيْرٌ مِنْهَا شَرَفًا لِأَنَّ الْحَسَنَةَ مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ وَالْجَزَاءَ عَلَيْهَا مِنْ عَطَاءِ اللَّهِ.
وَقَوْلُهُ وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ تَبْيِينُ قَوْلِهِ آنِفًا إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [النَّمْل: ٨٧] .
وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا أَهْلَ الْحَسَنَاتِ، أَيْ تَمَحَّضُوا لَهَا أَوْ غَلَبَتْ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ غَلَبَةً عَظِيمَةً بِحَيْثُ كَانَتْ سَيِّئَاتُهُمْ مِنَ النَّوْعِ الْمَغْفُورِ بِالْحَسَنَاتِ أَوِ الْمَدْحُوضِ بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ، أَيْ غَلَبَتْ سَيِّئَاتُهُمْ وَغَطَّتْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ أَوْ تَمَحَّضُوا لِلسَّيِّئَاتِ بِأَنْ كَانُوا غَيْرَ مُؤْمِنِينَ أَوْ كَانُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَهْلِ الْجَرَائِمِ وَالشَّقَاءِ. وَبَيْنَ أَهْلِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ أَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ فِي دَرَجَات الثَّوَاب ودركات الْعِقَابِ. وَجُمَّاعُ أَمْرِهَا أَنَّ الْحَسَنَةَ لَهَا أَثَرُهَا يَوْمَئِذَ عَاجلا أَو بِالآخِرَة، وَأَنَّ السَّيِّئَةَ لَهَا أَثَرهَا السيء بِمِقْدَارِهَا وَمِقْدَارِ مَا مَعَهَا مِنْ أَمْثَالِهَا وَمَا يُكَافِئُهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ أَضْدَادِهَا فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً [الْأَنْبِيَاء: ٤٧] .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ بِإِضَافَةِ فَزَعٍ إِلَى (يَوْمَ) مِنْ يَوْمَئِذٍ وَإِضَافَةِ (يَوْمَ) إِلَى إِذْ فَفُتْحَةُ (يَوْمَ) فُتْحَةُ بِنَاءٍ، لِأَنَّهُ اسْمُ زَمَانٍ أُضِيفَ إِلَى اسْمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute