وَالْمُشَارُ إِلَيْهِمْ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ هُمُ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ والنبوءة [الْأَنْعَام: ٨٩] فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ أَمر نبيّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهُدَاهُمْ. وَتَكْرِيرُ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِتَأْكِيدِ تَمْيِيزِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ وَلِمَا يَقْتَضِيهِ التَّكْرِيرُ مِنَ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ.
وَأَفَادَ تَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ قَصْرَ جِنْسِ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ عَلَى الْمَذْكُورِينَ تَفْصِيلًا وإجمالا، لأنّ المهديين مِنَ الْبَشَرِ لَا يَعْدُونَ أَنْ يَكُونُوا أُولَئِكَ الْمُسَمَّيْنَ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ، فَإِنَّ مِنْ آبَائِهِمْ آدَمَ وَهُوَ الْأَبُ الْجَامِعُ لِلْبَشَرِ كُلِّهِمْ، فَأُرِيدَ بِالْهُدَى هُدَى الْبَشَرِ، أَيِ الصَّرْفُ عَنِ الضَّلَالَةِ، فَالْقَصْرُ حَقِيقِيٌّ. وَلَا نَظَرَ لِصَلَاحِ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُ صَلَاحٌ جِبِلِّيٌّ. وَعَدَلَ عَنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ الظَّاهِرِ لِقَرْنِ هَذَا الْخَبَرِ بِالْمَهَابَةِ وَالْجَلَالَةِ.
وَقَوْلُهُ: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ تَفْرِيعٌ عَلَى كَمَالِ ذَلِكَ الْهُدَى، وَتَخَلُّصٌ إِلَى ذِكْرِ حظّ محمدّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هُدَى اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قدّم قبله مسهب ذِكْرُ الْأَنْبِيَاءِ وَهَدْيِهِمْ إِشَارَةً إِلَى عُلُوِّ مَنْزِلَةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنّها منزلَة جَدِيدَة بِالتَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَأَنَّهُ جَمَعَ هُدَى الْأَوَّلِينَ، وَأُكْمِلَتْ لَهُ الْفَضَائِلُ، وَجَمَعَ لَهُ مَا تَفَرَّقَ مِنَ الْخَصَائِصِ وَالْمَزَايَا الْعَظِيمَةِ. وَفِي إِفْرَادِهِ بِالذِّكْرِ وَتَرْكِ عَدِّهِ مَعَ الْأَوَّلِينَ رَمْزٌ بَدِيعٌ إِلَى فَذَاذَتِهِ وَتَفَرُّدِ مِقْدَارِهِ، وَرَعْيٌ بَدِيعٌ لِحَالِ مَجِيءِ رِسَالَتِهِ بَعْدَ مُرُورِ تِلْكَ الْعُصُورِ الْمُتَبَاعِدَةِ أَوِ الْمُتَجَاوِرَةِ، وَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْمَجْرُور وَهُوَ فَبِهُداهُمُ عَلَى عَامِلِهِ، لِلِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ الْهُدَى لِأَنَّهُ هُوَ مَنْزِلَتُكَ الْجَامِعَةُ لِلْفَضَائِلِ وَالْمَزَايَا، فَلَا يَلِيقُ بِهِ الِاقْتِدَاءُ بِهُدًى هُوَ دُونَ هُدَاهُمْ. وَلِأَجْلِ هَذَا لَمْ يسْبق للنّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتِدَاءٌ بِأَحَدٍ مِمَّنْ تَحَنَّفُوا فِي الجاهليّة أَو تنصّروا أَوْ تَهَوَّدُوا. فَقَدْ لَقِيَ النَّبِيءُ صَلَّى الله
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute