وَالْمَعْنَى أَنَّ الصَّدَّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُشْرِكِينَ أَكْبَرُ إِثْمًا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ إِثْمِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ.
وَالْعِنْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: عِنْدَ اللَّهِ عِنْدِيَّةٌ مَجَازِيَّةٌ وَهِيَ عِنْدِيَّةُ الْعِلْمِ وَالْحُكْمِ.
وَالتَّفْضِيلُ فِي قَوْلِهِ: أَكْبَرُ: تَفْضِيل فِي الْإِثْمِ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ أَعْظَمُ إِثْمًا.
وَالْمُرَادُ بِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ مِنْهُ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ [الْأَعْرَاف: ٨٦] .
وَالْكُفْرُ بِاللَّهِ: الْإِشْرَاكُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَكْثَرُ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ إِنْكَارُ وَجُودِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّهْرِيِّينَ مِنْهُمْ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَنِ الْكُفْرِ وَضَابِطِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ [الْبَقَرَة: ٦] إِلَخْ.
وَقَوْلُهُ: بِهِ الْبَاءُ فِيهِ لِتَعْدِيَةِ كُفْرٌ وَلَيْسَتْ لِلظَّرْفِيَّةِ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِالْبَاءِ عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ.
وكُفْرٌ مَعْطُوفٌ عَلَى صَدٌّ أَيْ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِاللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ قِتَالِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَإِنْ كَانَ الْقِتَالُ كَبِيرًا.
وَ (الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) مَعْطُوفٌ عَلَى (سَبِيلِ اللَّهِ) فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِ (صَدَّ) تَبَعًا لِتَعَلُّقِ متبوعه بِهِ.
وَعلم أَنَّ مُقْتَضَى ظَاهِرِ تَرْتِيبِ نَظْمِ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَصَدٌّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ، فَخُولِفَ مُقْتَضَى هَذَا النَّظْمِ إِلَى الصُّورَةِ الَّتِي جَاءَتِ الْآيَةُ عَلَيْهَا، بِأَنْ قُدِّمَ قَوْلُهُ (وَكُفْرٌ بِهِ) فَجُعِلَ مَعْطُوفًا عَلَى (صَدٍّ) قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ صَدٌّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ وَهُوَ (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى (سَبِيلِ اللَّهِ) الْمُتَعَلِّقِ بِ (صَدٌّ) إِذِ الْمَعْطُوفُ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ مُتَعَلِّقٌ فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ مِنَ الْمَعْطُوفِ عَلَى الِاسْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ، لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ بِهِ أَجْنَبِيٌّ عَنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَعْطُوفُ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ فَهُوَ مِنْ صِلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَالدَّاعِي إِلَى هَذَا التَّرْتِيبِ هُوَ أَنْ يَكُونَ نَظْمُ الْكَلَامِ عَلَى أُسْلُوبٍ أَدَقَّ مِنْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ وَهُوَ الِاهْتِمَامُ بِتَقْدِيمِ مَا هُوَ أَفْظَعُ مِنْ جَرَائِمِهِمْ، فَإِنَّ الْكُفْرَ بِاللَّهِ أَفْظَعُ مِنَ الصَّدِّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَكَانَ تَرْتِيبُ النَّظْمِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ، فَإِنَّ الصَّدَّ عَنْ سَبِيلِ الْإِسْلَامِ يَجْمَعُ مَظَالِمَ كَثِيرَةً لِأَنَّهُ اعْتِدَاءٌ عَلَى النَّاسِ فِي مَا يَخْتَارُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَجَحْدٌ لِرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَالْبَاعِثُ عَلَيْهِ انْتِصَارُهُمْ لِأَصْنَامِهِمْ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute