({وَالْأَنْعامِ}): جمع: نعم، وهي الإبل، والبقر، والغنم، والماعز، وهي الأزواج الثمانية المذكورة في سورة (الأنعام) ولا يقال للجنس الواحد منها: نعم؛ إلا للإبل خاصّة، فإنه غلب عليها. قال حسّان-رضي الله عنه-: [الوافر]
وكانت لا يزال بها أنيس... خلال مروجها نعم وشاء
هذا؛ وفي سنن ابن ماجة عن عروة البارقي-رضي الله عنه-يرفعه؛ قال:«الإبل عزّ لأهلها، والغنم بركة، والخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة».
{وَالْحَرْثِ:} الأرض المعدّة للزراعة، والغراس. وفي صحيح البخاريّ عن أبي أمامة الباهليّ -رضي الله عنه-وقد رأى سكة، وشيئا من آلة الحرث، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يدخل هذا بيت قوم إلا دخله الذّلّ». قال المهلّب: المعنى-والله أعلم-: الحضّ في هذا الحديث على معالي الأمور، وطلب الرّزق من أشرف الصناعات، وذلك لما خشي النبي صلّى الله عليه وسلّم على أمته من الاشتغال بالحرث، وتضييع ركوب الخيل في سبيل الله؛ لأنهم إن اشتغلوا بالحرث؛ غلبتهم الأمم الراكبة للخيل المتعيشة من مكاسبها، فحضّهم على التعيش من الجهاد، لا من الإخلاد إلى عمارة الأرض، ولزوم المهنة. وفي الوقت نفسه رغّب الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الزّراعة، فقال:«ما من مسلم غرس غرسا، أو زرع زرعا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة؛ إلاّ كان له به صدقة». أخرجاه في الصّحيحين عن أنس، رضي الله عنه. وقال الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-عن سويد بن هبيرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«خير مال امرئ، له مهرة مأمورة، أو سكّة مأبورة». المأمورة:
قال العلماء: ذكر الله تعالى أربعة أصناف من المال، كلّ نوع من المال يتموّل به صنف من الناس، أمّا الذهب، والفضة؛ فيتمول بها التّجار، وأمّا الخيل المسوّمة، فيتموّل بها الملوك، وأمّا الأنعام؛ فيتموّل بها أهل البوادي. وأمّا الحرث؛ فيتمول به أهل الرساتيق (القرى) فتكون فتنة كلّ صنف من النّوع الذي يتموّل به. وأما النّساء، والبنون؛ فهي فتنة للجميع.
{ذلِكَ:} الإشارة إلى جميع ما ذكر. {مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا} أي: يتمتع به فيها، ثم يفنى، كما تفنى. وهذا منه تعالى تزهيد في الدنيا، وانظر الترغيب في الآخرة في الآية التالية، وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«الدّنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصّالحة». أخرجه مسلم، والنّسائي عن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما.
{وَاللهُ عِنْدَهُ:} عندية تشريف، وتكريم، لا عندية مكان. {حُسْنُ الْمَآبِ:} حسن المرجع والثّواب، من: آب، يؤوب إيابا: إذا رجع، قال امرؤ القيس:[الوافر]
وقد طوّفت في الآفاق حتّى... رضيت من الغنيمة بالإياب