عنه-: لما نزلت أية (آل عمران) اشتد على القوم العمل، فقاموا؛ حتى ورمت عراقيبهم، وتقرحت جباههم، فأنزل الله هذه الاية تخفيفا على المسلمين. فنسخت آية (آل عمران) والمعنى: ابذلوا أيها المؤمنون في طاعة الله جهدكم، وطاقتكم، ولا تكلفوا أنفسكم ما لا تطيقون. قال المفسرون: هذا في المأمورات، وفضائل الأعمال يأتي الإنسان منها بقدر طاقته، وأما في المحظورات؛ فلا بد من اجتنابها بالكلية، ويدل عليه ما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال:
«إذا أمرتكم بأمر؛ فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه؛ فاجتنبوه». أخرجه الشيخان.
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إن آية (آل عمران) لم تنسخ، ولكن حق تقاته أن يجاهدوا لله حق جهاده، ولا يأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا لله بالقسط، ولو على أنفسهم، وآبائهم، وأبنائهم.
{وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} أي: اسمعوا ما توعظون به، وأطيعوا فيما تؤمرون به، وتنهون عنه، وهما يشملان كل ما ورد في كتاب الله، وما روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أوامر، ومناه، وقال قتادة-رحمه الله تعالى-: عليهما بويع النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ أي: على السمع، والطاعة. أقول: هما للنبي صلّى الله عليه وسلّم في حياته، ثم لأولي الأمر من بعده؛ إن هم اتقوا الله، وأطاعوه، وأطاعوا رسوله. قال تعالى في سورة (النساء) رقم [٥٩]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.
{وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ:} الإنفاق المأمور به يشمل: الواجب من زكاة، ونذور، وكفارات، والتطوع، والتبرع في وجوه الخير ابتغاء مرضاة الله. وقال الحسن: هو نفقة الرجل لنفسه. قال ابن العربي: وإنما أوقع قائل هذا قوله: {لِأَنْفُسِكُمْ} وخفي عليه أن نفقة النفل، والفرض في الصدقة هي نفقة الرجل على نفسه. قال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [٧]: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها} وكل ما يفعله الرجل من خير؛ فإنما هو لنفسه.
والصحيح: أنها عامة. وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال له رجل: عندي دينار. قال:«أنفقه على نفسك». قال: عندي آخر. قال:«أنفقه على زوجتك». قال: عندي آخر. قال:«أنفقه على ولدك». قال: عندي آخر. قال:«أنفقه على خادمك. قال: عندي آخر. قال: «أنت أبصر به».
وفي رواية قال:«تصدق به». رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة-رضي الله عنه-، فبدأ بالنفس، ثم بالأهل، ثم بالولد، وجعل الصدقة بعد ذلك، وهو الأصل في الشرع. {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ..}. إلخ: انظر رقم [٩] من سورة (الحشر) ففيها الكفاية.
الإعراب:{فَاتَّقُوا:}(الفاء): هي الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كانت الفتنة متوقعة من الأموال، والأولاد؛ فاتقوا... إلخ. (اتقوا): فعل أمر مبني على حذف النون؛ لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب للشرط المقدر ب:«إذا»، والجملة الشرطية معطوفة على ما قبلها، أو