والفعل: حسب، يحسب من باب: تعب في لغة جميع العرب، إلا بني كنانة، فإنهم يكسرون السين في المضارع، ومع الماضي أيضا على غير قياس، وقد قرئ المضارع بفتح السين وكسرها من البابين: الرابع، والسادس، والمصدر: الحسبان بكسر الحاء. وحسبت المال حسبا من باب قتل بمعنى: أحصيته عددا.
العلامة التي يعرف بها الشيء، واختلفوا في معناها، فقيل: هي الخضوع، والتواضع. وقيل: هي أثر الجهد من الحاجة، والفقر. وقيل: هي صفرة ألوانهم من الجوع، ورثاثة ثيابهم من الضرّ، وسوء الحال. {لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً} أي: لا يسألون الناس أبدا، وقيل: إن سألوا لا يلحّون بالسؤال، وإنما يسألون برفق وتلطف، ولا يكلّفون الناس ما لا يحتاجون إليه، فإن من سأل، وله ما يغنيه عن المسألة؛ فقد ألحف في المسألة، والخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو لكلّ أحد، وخذ ما يلي:
فعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: وقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما على أصحاب الصّفّة، فرأى فقرهم، وجهدهم، وطيب قلوبهم، فقال:«أبشروا يا أصحاب الصّفة! فمن بقي من أمّتي على العنت الذي أنتم عليه، راضيا بما فيه، فإنّه من رفقائي في الجنّة»، وقال صلّى الله عليه وسلّم:«إنّ الله يحبّ الحييّ الحليم المتعفّف، ويبغض البذيء السّائل الملحف». وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-:
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«ليس المسكين الّذي تردّه اللّقمة واللّقمتان، والتّمرة والتّمرتان، ولكن المسكين الّذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدّق عليه، ولا يقوم فيسأل النّاس» رواه البخاريّ ومسلم، وغيرهما، وعنه أيضا: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس الغنى عن كثرة المال والعرض، ولكن الغنى غنى النّفس» متفق عليه.
وقال الإمام أحمد عن رجل من مزينة: أنه قالت له أمّه: ألا تنطلق، فتسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما يسأله النّاس! قال: فانطلقت أسأله، فوجدته قائما يخطب، وهو يقول:«ومن استعفّ أعفّه الله، ومن استغنى أغناه الله، ومن يسأل النّاس، وله عدل خمس أواق؛ فقد سأل النّاس إلحافا» فقلت بيني وبين نفسي: لنا ناقة لهي خير من خمس أواق، ولغلامي ناقة أخرى، فهي خير من خمس أواق، فرجعت، ولم أسأل.
وعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سأل، وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا، أو خموشا، أو كدوحا في وجهه» قالوا: يا رسول الله! وما غناه؟ قال:«خمسون درهما أو حسابها من الذّهب»، أخرجه أبو داود، والترمذي، والنّسائي، والإمام أحمد.
فالرّسول صلّى الله عليه وسلّم يريد من المسلم أن يكون عزيز النفس، مرفوعها، لذا نفّر من السّؤال، والمسألة، ورغّب في العمل، فعن الزبير بن العوام-رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: