في الصحيحين، عن أبي هريرة-رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال رجل لأتصدقنّ الليلة بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد زانية، فأصبح النّاس يتحدّثون: تصدّق الليلة على زانية! فقال: اللهمّ لك الحمد على زانية! لأتصدقنّ الليلة بصدقة، فوضعها في يد غنيّ، فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق اللّيلة على غنيّ! فقال: اللهمّ لك الحمد على غنيّ! لأتصدقنّ الليلة بصدقة، فخرج فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدّق الليلة على سارق! فقال:
اللهمّ لك الحمد على زانية! وعلى غنيّ، وعلى سارق، فأتي (في المنام) فقيل له: أمّا صدقتك فقد قبلت، أما الزّانية فلعلّها أن تستعفف عن زناها، وأمّا الغنيّ فلعلّه يعتبر، فينفق ما أعطاه الله، وأمّا السّارق فلعلّه يستعفف عن سرقته».
{وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ:} فهذه الجملة تأكيد، وبيان لما قبلها، وهي تفيد فائدة زائدة، وهي: أنّ ثواب الإنفاق يدّخر للمنفقين يوم القيامة، ولا يبخسون منه شيئا، فيكون ذلك البخس ظلما لهم، ومثل هذا يسمّى في علم المعاني إطنابا، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {لَيْسَ:} فعل ماض ناقص. {عَلَيْكَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {لَيْسَ} مقدّم. {هُداهُمْ:} اسمها مؤخر مرفوع وعلامة رفعه ضمّة مقدّرة على الألف للتعذّر، والهاء في محل جرّ بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله، فيكون المفعول محذوفا، أو لمفعوله، فيكون الفاعل محذوفا، وهو أقوى، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {وَلكِنَّ:}
الواو: حرف عطف. ({لكِنَّ}): حرف مشبه بالفعل. {اللهَ:} اسمها. {يَهْدِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى {اللهَ،} والجملة الفعلية في محلّ رفع خبر ({لكِنَّ}) والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {مَنْ:}
اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به. {يَشاءُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى {اللهَ،} والجملة الفعلية صلة {مَنْ} أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: يهدي الذي، أو: شخصا يشاء هدايته.
({ما}): اسم شرط مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدّم. {تُنْفِقُوا:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {مِنْ خَيْرٍ:} متعلقان بمحذوف حال من ({ما})، و {مَنْ} بيان لما أبهم فيها. {فَلِأَنْفُسِكُمْ:} الفاء:
واقعة في جواب الشرط. (لأنفسكم): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: فهو لأنفسكم، والجملة الاسمية هذه في محل جزم جواب الشرط، والجملة الشرطية:
{وَما تُنْفِقُوا..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا، {وَما:} الواو: واو الاعتراض.
({ما}): نافية. {تُنْفِقُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والمفعول محذوف يدل عليه المقام، والجملة الفعلية معترضة بين المتعاطفتين لا محل لها، وقال البيضاوي: حال، أو عطف على ما قبله، والأول لا وجه له، والثاني لا يصحّ إلا على قول من يعتبر النفي بمعنى النّهي.