النّسائيّ. هذا، والمعتمد: أنّ هذه الصّدقة التي أبيح إعطاؤها لغير المسلمين، إنّما هي صدقة التطوّع، وأما المفروضة؛ فلا يجزئ دفعها لكافر، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«أمرت أن آخذ الصّدقة من أغنيائكم، وأردّها في فقرائكم». وقال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ-رضي الله عنه-: «خذ الصّدقة من أغنيائهم، وردّها على فقرائهم».
هذا وقال ابن العربي: فأمّا المسلم العاصي؛ فلا خلاف: أنّ صدقة الفطر تصرف إليه إلا إذا كان يترك أركان الإسلام من الصّلاة، والصّيام، فلا تدفع إليه الصّدقة؛ حتّى يتوب، وسائر أهل المعاصي تصرف الصدقة إلى مرتكبيها؛ لدخولهم في اسم المسلمين.
{وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} أي: الأجر، والثواب لكم، فلا تمنّوا على أحد، ولا تنفقوا الخبيث من أموالكم، فهو مثل قوله تعالى:{مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ} وعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيكم مال وارثه أحبّ إليه من ماله؟» قالوا: يا رسول الله! ما منّا أحد إلاّ ماله أحبّ إليه! قال: «فإنّ ماله ما قدّم، ومال وارثه ما أخّر». أخرجه البخاريّ.
هذا وقد حكي: أنّ بعض العلماء كان يصنع كثيرا من المعروف، ثمّ يحلف: أنّه ما فعل مع أحد خيرا، فقيل له في ذلك، فيقول: إنّما فعلت مع نفسي، ويتلو:{وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ}. وخذ قوله تعالى في آخر سورة (المزمّل): {وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً}.
هذا؛ والمراد ب:{خَيْرٍ} في هذه الآية في الموضعين: المال، قال تعالى في سورة العاديات:{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ،} ويكون الخير بمعنى: الطّعام، كما في قوله تعالى حكاية عن قول موسى-على نبينا وعليه ألف صلاة، وألف سلام-في سورة (القصص) رقم [٢٤]:
{رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ،} ويكون بمعنى القوّة، كما في قوله تعالى في سورة (الدخان) رقم [٣٧]: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} ويكون بمعنى العبادة والطاعة، كما في قوله تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [٧٣]: {وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ} ويكون بمعنى الوحي، كما في قوله تعالى في الآية رقم [١٠٥] من هذه السّورة: {ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}. وأخيرا: يكون بمعنى المطر، قال الشّاعر-وهو الشّاهد رقم [٢٠٢] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [البسيط]
سقى الحيا الأرض حتّى أمكن عزيت... لهم فلا زال عنها الخير مجدودا
{وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ:} طلب مرضاته تعالى، ورضوانه، قال عطاء الخراساني: يعني إذا أعطيت لوجه الله؛ فلا عليك ما كان عمله، والمعنى: أنّ المتصدق إذا تصدّق ابتغاء وجه الله؛ فقد وقع أجره على الله، ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب: البرّ أو فاجر، أو مستحقّ، أو غيره؟ وهو مثاب على قصده، ومستند هذا تمام الآية، والحديث المخرّج