وصينا بمثل ما وصى به، وذكر الوالدين للمبالغة في ذلك، مع أنهما تلو الباري في استحقاق التعظيم، والطاعة، لا يجوز أن يطاعا في الإشراك، والمعاصي. الآيتان نزلتا في حق سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-لما أسلم، وأن أمه حمنة قد حلفت ألا تأكل. انظر تفصيل ذلك في الآية رقم [٨] من سورة (العنكبوت) ففيها الكفاية، فإن ما هنا، وهناك نزل فيه، رضي الله عنه.
{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ} أي: ضعفا على ضعف، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-:
شدة بعد شدة. وقيل: إن المرأة إذا حملت توالى عليها الضعف، والتعب، والمشقة، وذلك؛ لأن الحمل ضعف، والطلق ضعف، والوضع ضعف، والرضاعة ضعف. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (الأحقاف) رقم [١٥]: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً}. وفي هاتين الآيتين تنويه بشأن الأم، وأن حقها أعظم من حق الأب، وأنها تستحق من الطاعة، والإكرام، والخدمة، والاحترام أكثر مما يستحقه الأب، وذلك لما قاسته من الآلام بسبب الولادة، ولما هي مجبولة عليه من الضعف الخلقي، والجسدي، ولا سيما إذا بلغت من العمر عتيا، وقد لفت النبي صلّى الله عليه وسلّم نظر المسلم المؤمن إلى هذا، وذلك فيما يلي:
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله! من أحقّ النّاس بحسن صحابتي؟ قال:«أمّك»، قال: ثمّ من؟ قال:«أمّك». قال: ثمّ من؟ قال:
«أمّك». قال: ثمّ من؟ قال:«أبوك» رواه البخاري ومسلم، وعن أنس-رضي الله عنه-قال:
أتى رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي أشتهي الجهاد، ولا أقدر عليه! قال:«هل بقي من والديك أحد؟». قال: أمّي، قال:«قابل الله في برّها، فإذا فعلت ذلك؛ فأنت حاجّ، ومعتمر، ومجاهد». رواه الطبراني في الصغير، والأوسط، وأبو يعلى. فالرسول صلّى الله عليه وسلّم قد جعل للأم ثلاث مراتب، وللأب واحدة، وهو ما يفهم من مغزى الآيتين الكريمتين.
هذا؛ وقرأ عيسى الثقفي: «(وهنا على وهن)» بفتح الهاء فيهما، ورويت عن أبي عمرو، وهما بمعنى واحد، قال قعنب بن أم صاحب:[البسيط] هل للعواذل من ناه فيزجرها؟ ... إنّ العواذل فيها الأين والوهن
هذا؛ ويأتي: وهن، يهن، مثل: ضرب، يضرب، ووهن، يوهن، مثل: كرم، يكرم، ووهن، يهن، مثل: حسب، يحسب، وورث، يرث. {وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ} أي: فطامه في انقضاء عامين، وهي مدة الرضاع، التي ذكرها الله في آية البقرة رقم [٢٣٣]. {وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ}. وهذه هي المدة التي يتعلق بها تحريم الرضاع، ولا تحريم بعدها. هذا؛ وانظر ما ذكرته في سورة (الأحقاف) رقم [١٥] فهو مرتبط في هذه الآية، وهو جيد جداجدا؛ إن شاء الله تعالى.