قال الجنيد-رحمه الله تعالى-: الروح شيء استأثر الله بعلمه، ولم يطلع عليه أحدا من خلقه، فلا يجوز البحث عنه بأكثر من أنه موجود، قال تعالى في سورة (الإسراء): {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً} وقال بعضهم: إن هناك لطيفة ربانية، لا يعلمها إلا الله تعالى، فمن حيث تفكرها تسمى: عقلا، ومن حيث حياة الجسد بها تسمى:
روحا، ومن حيث شهوتها تسمى: نفسا، فالثلاثة متحدة بالذات، مختلفة بالاعتبار.
هذا؛ وقد ذكر القرآن الكريم: أن النفس على خمس مراتب: الأمارة بالسوء، واللوامة، والمطمئنة، والراضية، والمرضية، ويزاد: الملهمة، والكاملة، فالأمارة بالسوء: هي التي تأمر صاحبها بالسوء، ولا تأمر بالخير إلا نادرا، وهي مقهورة، ومحكومة للشهوات، وإن سكنت لأداء الواجبات الإلهية، وأذعنت لاتباع الحق، لكن بقي فيها ميل للشهوات؛ سميت: لوامة، وإن زال هذا الميل، وقويت على معارضة الشهوات، وزاد ميلها إلى عالم القدس، وتلقت الإلهامات؛ سميت: ملهمة، فإن سكن اضطرابها، ولم يبق للنفس الشهوانية حكم أصلا؛ سميت: مطمئنة، فإن ترقت من هذا، وأسقطت المقامات من عينها، وفنيت عن جميع مراداتها؛ سميت: راضية، فإن زاد هذا الحال عليها؛ صارت مرضية عند الحق، وعند الخلق، فإن أمرت بالرجوع إلى العباد لإرشادهم وتكميلهم؛ سميت: كاملة، فالنفس سبع طبقات، ولها سبع، درجات كما ذكرت، وقدمت.
وأخيرا خذ ما ذكره القرطبي-رحمه الله تعالى-: وفي الخبر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «ما تقولون في صاحب لكم، إن أكرمتموه، وأطعمتموه وكسوتموه؛ أفضى بكم إلى شرّ غاية. وإن أهنتموه، وأعريتموه، وأجعتموه؛ أفضى بكم إلى خير غاية». قالوا: يا رسول الله! هذا شرّ صاحب. قال:«فو الّذي نفسي بيده؛ إنها لنفوسكم الّتي بين جنوبكم!».
الإعراب:{كُلُّ:} مبتدأ، وهو مضاف، و {نَفْسٍ} مضاف إليه. {ذائِقَةُ:} خبر المبتدأ، وهو مضاف، و {الْمَوْتِ} مضاف إليه، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. {وَنَبْلُوكُمْ:} الواو: حرف استئناف. (نبلوكم): مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو للثقل، والفاعل مستتر تقديره:«نحن»، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {بِالشَّرِّ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {وَالْخَيْرِ:} معطوف على ما قبله. {فِتْنَةً:} مفعول لأجله، أو حال بمعنى: فاتنين لكم، أو مفعول مطلق من معنى (نبلوكم)؛ إذا المعنى: نفتنكم فتنة. {وَإِلَيْنا:} الواو: واو الحال. (إلينا): متعلقان بما بعدهما.
{تُرْجَعُونَ:} مضارع مرفوع، ويقرأ بالبناء للمعلوم، والبناء للمجهول، والواو فاعل، أو نائبه، والجملة الفعلية في محل نصب حال من فاعل (نبلوكم) المستتر، والرابط: الواو، والضمير، أو هي مستأنفة لا محل لها، وقيل: معطوفة على ما قبلها. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.