للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدين، فيلعن المشركون المتأخرون السابقين منهم، واليهود اليهود، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوس المجوس.

{اِدّارَكُوا فِيها} أي: تداركوا، وتلاحقوا في النار. هذا؛ وأصل: {اِدّارَكُوا:} تداركوا، فأدغمت التاء في الدال، بعد قبلها دالا، وتسكينها، ثم اجتلبت همزة الوصل ليمكن النطق بالساكن. ولهذه الكلمة نظائر، مثل: ادكر، واطلع... إلخ، {أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ:} قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: يعني قال آخر كل أمة لأولها. وقال السدي: قالت أخراهم الذين كانوا في آخر الزمان لأولاهم الذين شرعوا لهم ذلك الدين، وقال مقاتل: يعني: قال آخرهم دخولا النار، وهم الأتباع لأولاهم دخولا، وهم القادة؛ لأن القادة يداخلون النار أولا. انتهى. خازن.

و {أُخْراهُمْ} و (أولاهم) يحتمل أن يكون: «فعلى» أنثى «أفعل» الذي للمفاضلة، والمعنى على هذا كما قال الزمخشري: أخراهم منزلة، وهم الأتباع، والسفلة، لأولاهم منزلة، وهم القادة، والسادة، والرؤساء، ويحتمل أن تكون: (أخرى) بمعنى: آخرة، تأنيث: «آخر» مقابل «أول» لا تأنيث «آخر» الذي للمفاضلة، كقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} والفرق بين أخرى بمعنى آخرة، وبين أخرى تأنيث آخر بزنة أفعل للتفضيل: أن التي للتفضيل لا تدل على الانتهاء، كما لا يدل عليه مذكرها، ولذلك يعطف أمثالها عليها في نوع واحد، تقول: مررت بامرأة وأخرى وأخرى، كما تقول: برجل وآخر وآخر، وهذه تدل على الانتهاء، كما يدل عليه مذكرها، ولذلك لا يعطف أمثالها عليها، ولأن الأولى تفيد إفادة غير، وهذه لا تفيد إفادة غير، والظاهر في هذه الآية الكريمة أنهما ليستا للتفضيل، بل لما ذكرت لك. انتهى جمل نقلا عن السمين.

{رَبَّنا:} انظر الآية رقم [٢] لشرحه، والآية رقم [٢٢] لحذف (يا) منه. {أَضَلُّونا:} سنوا لنا الضلال، فاقتدينا بهم. وانظر الآية رقم [٦٠]. {فَآتِهِمْ عَذاباً} أي: أعطهم عذابا. هذا؛ وعذاب اسم مصدر، لا مصدر؛ لأن المصدر: تعذيب؛ لأنه من: عذب، يعذب بتشديد الذال فيهما.

وقيل: هو مصدر على حذف الزوائد، مثل: عطاء، ونبات لأعطى، وأنبت. {ضِعْفاً مِنَ النّارِ} أي: ضاعف لهم عذاب النار؛ لأنهم ضلوا، وأضلوا. وما أحراك أن تنظر الآية رقم [٦٦] من سورة (الأحزاب) وما بعدها. {قالَ} أي: الله: {لِكُلٍّ ضِعْفٌ} أي: لكل من القادة، والأتباع مضاعف العذاب، أما القادة؛ فبكفرهم وتضليلهم، وأما الأتباع، فبكفرهم، وتقليدهم.

هذا؛ و {ضِعْفٌ} بكسر الضاد، وسكون العين: مثل الشيء، وضعفاه: مثلاه، وأضعافه:

أمثاله، هذا هو الأصل في الضعف، ثم استعمل في المثل، وما زاد، وليس للزيادة حد، فيقال:

هذا ضعف هذا، أي مثله؛ أو مثلاه، أو ثلاثة أمثاله، وهكذا؛ لأن الضعف في الأصل زيادة غير محصورة، ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ} لم يرد به مثلا، ولا مثلين، وأولى

<<  <  ج: ص:  >  >>