للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً قَالَ لي النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا تَرَى دِينَارًا؟ قُلْتُ: لَا يُطِيقُونَهُ، قَالَ فَنِصْفُ دِينَارٍ؟ قُلْتُ: لَا يُطِيقُونَهُ. قَالَ:

فَكَمْ؟ قُلْتُ: شَعِيرَةٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَيْ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: إِنَّكَ لَزَهِيدٌ فَنَزَلَتْ:

أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ [المجادلة: ١٣] الْآيَةَ. قَالَ: «فَبِيَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ»

. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اه.

قُلْتُ: عَلِيُّ بْنُ عَلْقَمَةَ الْأَنْمَارِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَقَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: صَحَّحُوا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: «مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ غَيْرِي» . وَسَاقَ حَدِيثًا.

وَمَحْمَلُ

قَوْلِ عَلِيٍّ «فَبِي خَفَّفَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ»

، أَنَّهُ أَرَادَ التَّخْفِيفَ فِي مِقْدَارِ الصَّدَقَةِ مِنْ دِينَارٍ إِلَى زِنَةِ شَعِيرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَهِيَ جُزْءٌ مِنَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ جُزْءا من أَجزَاء الدِّينَارِ.

وَفَعْلُ ناجَيْتُمُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى إِرَادَةِ الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [الْمَائِدَة: ٦] الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النَّحْل: ٩٨] .

وَالْقَرِينَةُ قَوْلُهُ: فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ.

وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ: فَقَدِّمُوا لِلْوُجُوبِ، وَاخْتَارَهُ الْفَخْرُ وَرَجَّحَهُ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي صِيغَةِ الْأَمْرِ، وَبِقَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إِلَّا فِيمَا بِفَقْدِهِ يَزُولُ الْوُجُوبُ. وَيُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ نُسِخَتْ بِفَرْضِ الزَّكَاةِ، وَهُوَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ فَرِيقٌ: الْأَمْرُ لِلنَّدْبِ وَهُوَ يُنَاسِبُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنْ فَرَضَ الزَّكَاةِ كَانَ سَابِقًا عَلَى نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّ شَرْعَ الزَّكَاةِ أَبْطَلَ كُلَّ حَقٍّ كَانَ وَاجِبًا فِي الْمَالِ.

وبَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ مَعْنَاهُ: قَبْلَ نَجْوَاكُمْ بِقَلِيلٍ، وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ جَرَتْ مَجْرَى الْمِثْلِ لِلْقُرْبِ مِنَ الشَّيْءِ قُبَيْلَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ. شَبَّهَتْ هَيْئَةَ قُرْبِ الشَّيْءِ مِنْ آخَرٍ بِهَيْئَةِ وُصُولِ الشَّخْصِ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ يَرِدُ هُوَ عَلَيْهِ تَشْبِيهَ مَعْقُولٍ بِمَحْسُوسٍ.