وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكافٍ عَبْدَهُ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَخَلَفٌ عِبَادَهُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ أَيِ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُمْ لَمَّا خَوَّفُوا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَرَادُوا تَخْوِيفَهُ وَتَخْوِيفَ أَتْبَاعِهِ وَأَنَّ اللَّهَ كَفَاهُمْ شَرَّهُمْ.
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ الْآيَةَ وَجُمْلَةِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي
انْتِقامٍ
قَصَدَ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ أَنَّ ضَلَالَهُمْ دَاءٌ عَيَاءٌ لِأَنَّهُ ضَلَالٌ مُكَوَّنٌ فِي نُفُوسِهِمْ وَجِبِلَّتِهِمْ قَدْ ثَبَّتَتْهُ الْأَيَّامُ، وَرَسَّخَهُ تَعَاقُبُ الْأَجْيَالِ، فَرَانَ بِغِشَاوَتِهِ عَلَى أَلْبَابِهِمْ، فَلَمَّا صَارَ ضَلَالُهُمْ كَالْمَجْبُولِ الْمَطْبُوعِ أُسْنِدَ إِيجَادُهُ إِلَى اللَّهِ كِنَايَةً عَنْ تَعَسُّرِ أَوْ تَعَذُّرِ اقْتِلَاعِهِ مِنْ نُفُوسِهِمْ.
وَأُرِيدَ مِنْ نَفْيِ الْهَادِي مِنْ قَوْلِهِ: فَما لَهُ مِنْ هادٍ نَفِيُ حُصُولِ الِاهْتِدَاءِ، فَكُنِّيَ عَنْ عَدَمِ حُصُولِ الْهُدَى بِانْتِفَاءِ الْهَادِي لِأَنَّ عَدَمَ الِاهْتِدَاءِ يَجْعَلُ هَادِيَهُمْ كَالْمَنْفِيِّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٨٦] مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ.
وَالْآيَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي إِفَادَةِ نَفْيِ جِنْسِ الْهَادِي، إِلَّا أَنَّ إِفَادَةَ ذَلِكَ هُنَا بِزِيَادَةِ مِنْ تَنْصِيصًا عَلَى نَفْيِ الْجِنْسِ. وَفِي آيَةِ الْأَعْرَافِ بِبِنَاءِ هَادِي عَلَى الْفَتْحِ بَعْدَ (لَا) النَّافِيَةِ لِلْجِنْسِ فَإِنَّ بِنَاءَ اسْمِهَا عَلَى الْفَتْحِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْجِنْسِ نَصًّا. وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْأُسْلُوبَيْنِ تَفَنُّنٌ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ مِنْ مَقَاصِدِ الْبُلَغَاءِ.
وَتَقْدِيمُ لَهُ عَلَى هادٍ لِلِاهْتِمَامِ بِضَمِيرِهِمْ فِي مَقَامِ نَفْيِ الْهَادِي لَهُمْ لِأَنَّ ضَلَالَهُمُ الْمَحْكِيَّ هُنَا بَالِغٌ فِي الشَّنَاعَةِ إِذَا بَلَغَ بِهِمْ حَدُّ الطَّمَعِ فِي تَخْوِيفِ النَّبِيءِ بِأَصْنَامِهِمْ فِي حَالِ ظُهُورِ عَدَمِ اعْتِدَادِهِ بِأَصْنَامِهِمْ لِكُلِّ مُتَأَمِّلٍ مِنْ حَالِ دَعْوَتِهِ، وَإِذْ بَلَغَ بِهِمُ اعْتِقَادُ مَقْدِرَةِ أَصْنَامِهِمْ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ قُدْرَةِ الرَّبِّ الْحَقِّ، بِخِلَافِ آيَةِ الْأَعْرَافِ فَإِنَّ فِيهَا ذِكْرَ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ النَّظَرِ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ ضَلَالٌ دُونَ ضَلَالِ التَّخْوِيفِ مِنْ بَأْسِ أَصْنَامِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute