مُسَافِرًا لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ فِي الِاهْتِدَاءِ لِجِهَةِ الْكَعْبَةِ فَرُبَّمَا يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ سُقُوطَ الِاسْتِقْبَالِ عَنْهُ، وَفِي مُعْظَمِ هَاتِهِ الْآيَةِ مَعَ قَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ زِيَادَةُ اهْتِمَامٍ بِأَمْرِ الْقِبْلَةِ يُؤَكِّدُ قَوْلَهُ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [الْبَقَرَة:
١٤٧] .
وَقَوْلُهُ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ زِيَادَةُ تَحْذِيرٍ مِنَ التَّسَاهُلِ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ.
وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ عَطْفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ، وَأُعِيدَ لَفْظُ الْجُمْلَةِ السَّالِفَةِ لِيُبْنَى عَلَيْهِ التَّعْلِيل بقوله: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ.
وَقَوله: وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ الْآيَةَ. وَالْمَقْصِدُ التَّعْمِيمُ فِي هَذَا الْحُكْمِ فِي السَّفَرِ لِلْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ تَخْصِيصُهُ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَصَلَ مِنْ تَكْرِيرِ مُعْظَمِ الْكَلِمَاتِ تَأْكِيدٌ لِلْحُكْمِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْله لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ الْأَمْرُ بِاسْتِقْبَالِ النَّبِيءِ الْكَعْبَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَتَكَرَّرَ الْأَمْرُ بِاسْتِقْبَالِ الْمُسْلِمِينَ الْكَعْبَةَ مَرَّتَيْنِ. وَتَكَرَّرَ إِنَّهُ الْحَقُّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَتَكَرَّرَ تَعْمِيمُ الْجِهَاتِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَالْقَصْدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ التَّنْوِيهُ بِشَأْنِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ تَطَرُّقِ التَّسَاهُلِ فِي ذَلِكَ تَقْرِيرًا لِلْحَقِّ فِي نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ، وَزِيَادَةً فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُنْكِرِينَ التَّأْكِيدَ، مِنْ زِيَادَةِ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ، وَمِنْ جُمَلٍ مُعْتَرِضَةٍ، لِزِيَادَةِ التَّنْوِيهِ بِحُكْمِ الِاسْتِقْبَالِ: وَهِيَ جُمْلَةُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ الْآيَاتِ، وَجُمْلَةُ: وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَجُمْلَة: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ الْآيَاتِ، وَفِيهِ إِظْهَارُ أَحَقِّيَّةِ الْكَعْبَةِ بِذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الْحَقِّ لَا يَزِيدُهُ إِنْكَارُ الْمُنْكِرِينَ إِلَّا تَصْمِيمًا، وَالتَّصْمِيمُ يَسْتَدْعِي إِعَادَةَ الْكَلَامِ الدَّالِّ عَلَى مَا صُمِّمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ تَدُلُّ عَلَى التَّحَقُّقِ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ مِنْ بَيَانِ فَوَائِدِ هَذَا التَّحْوِيلِ وَمَا حَفَّ بِهِ، مَا يَدْفَعُ قَلِيلَ السَّآمَةِ الْعَارِضَةِ لِسَمَاعِ التَّكْرَارِ، فَذَكَرَ قَوْلَهُ: وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ إِلَخْ، وَذكر قَوْله: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ إِلَخْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute