فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ دَقِيقَةٌ أَلْحَقْنَاهَا بِتَفْسِيرِ الْآيَةِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْإِخْلَاصِ الْمُرَادِ فِي الْآيَةِ، وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى التَّشَابُهِ الْعَارِضِ بَيْنَ الْمَقَاصِدِ الَّتِي تُقَارِنُ قَصْدَ الْعِبَادَةِ وَبَيْنَ إِشْرَاكِ الْمَعْبُودِ فِي الْعِبَادَةِ بِغَيْرِهِ.
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ لِزِيَادَةِ تَحْقِيقِ مَعْنَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ فِي الْعِبَادَةِ وَأَنَّهُ خُلُوصٌ كَامِلٌ لَا يَشُوبُهُ شَيْءٌ مِنَ الْإِشْرَاكِ وَلَا إِشْرَاكَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا أَوْلِيَاءَ وَعَبَدُوهُمْ حِرْصًا عَلَى الْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ يَزْعُمُونَهُ عُذْرًا لَهُمْ فَقَوْلُهُمْ مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ وَقَلْبِ حَقِيقَةِ الْعِبَادَةِ بِأَنْ جَعَلُوا عِبَادَةَ غَيْرِ اللَّهِ وَسِيلَةً إِلَى الْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ فَنَقَضُوا بِهَذِهِ الْوَسِيلَةِ مَقْصِدَهَا وَتَطَلَّبُوا الْقُرْبَةَ بِمَا أَبْعَدَهَا، وَالْوَسِيلَةُ إِذَا أَفْضَتْ إِلَى إِبْطَالِ الْمَقْصِدِ كَانَ التَّوَسُّلُ بِهَا ضَرْبًا مِنَ الْعَبَثِ.
وَاسْمُ الْمَوْصُولِ مُرَادٌ بِهِ الْمُشْرِكُونَ وَهُوَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ جُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ. وَجُمْلَةُ مَا نَعْبُدُهُمْ مَقُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ لِأَنَّ نَظْمَهَا يَقْتَضِي ذَلِكَ إِذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ نُونُ الْمُتَكَلِّمِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ، فَتَعِينَ أَنَّهُ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى الْمُبْتَدَأِ، أَيْ هُمُ الْمُتَكَلِّمُونَ بِهِ وَبِمَا يَلِيهِ، وَفِعْلُ الْقَوْلِ مَحْذُوفٌ وَهُوَ كَثِيرٌ، وَهَذَا الْقَولُ الْمَحْذُوفُ يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ فَيَكُونُ حَالًا مِنَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا أَيْ قَائِلِينَ:
مَا نَعْبُدُهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ. وَالتَّقْدِيرُ: قَالُوا مَا نَعْبُدُهُمْ، وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ حِينَئِذٍ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ اتَّخَذُوا فَإِنَّ اتِّخَاذَهُمُ الْأَوْلِيَاءَ اشْتَمَلَ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ وَعِيدٌ لَهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ ذَلِكَ فَعُلِمَ مِنْهُ إِبْطَالُ تَعَلُّلِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّهُمْ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ أَكْثَرَ من عِبَادَتهم لله. فَضَمِيرُ بَيْنَهُمْ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ اتَّخَذُوا أَوْلِيَاءَ. وَالْمُرَادُ بِ مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute