أَوَّابٌ، أَيْ كَثِيرُ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ، أَيْ يَأْتِيهِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ. وَهَذِهِ مُعْجِزَةٌ لَهُ لِأَنَّ شَأْنَ الطَّيْرِ النُّفُورُ مِنَ الْإِنْسِ. وَكَلِمَةُ كُلٌّ عَلَى أَصْلِ مَعْنَاهَا مِنَ الشُّمُولِ. وأَوَّابٌ هَذَا غَيْرُ أَوَّابٌ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ أَوَّابٌ فَلَمْ تَتَكَرَّرِ الْفَاصِلَةُ. وَاللَّامُ فِي لَهُ أَوَّابٌ لَامُ التَّقْوِيَةِ، وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى مُتَعَلَّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِالضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ.
وَالشَّدُّ: الْإِمْسَاكُ وَتَمَكُّنُ الْيَدِ مِمَّا تَمْسِكُهُ، فَيَكُونُ لِقَصْدِ النَّفْعِ كَمَا هُنَا، وَيَكُونُ لِقَصْدِ الضُّرِّ كَقَوْلِهِ: وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فِي سُورَة [يُونُس: ٨٨] .
فَشَدُّ الْمَلِكِ هُوَ تَقْوِيَةُ مُلْكِهِ وَسَلَامَتُهُ مِنْ أَضْرَارِ ثَوْرَةٍ لَدَيْهِ وَمِنْ غَلَبَةِ أَعْدَائِهِ عَلَيْهِ فِي حُرُوبِهِ. وَقَدْ مَلَكَ دَاوُدُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَمَاتَ وَعُمُرُهُ سَبْعُونَ سَنَةً فِي ظِلِّ مُلْكٍ ثَابِتٍ.
والْحِكْمَةَ: النُّبُوءَةُ. وَالْحِكْمَةُ فِي الْأَعَمِّ: الْعِلْمُ بِالْأَشْيَاءِ كَمَا هِيَ وَالْعَمَلُ بِالْأُمُورِ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَقَدِ اشْتَمَلَ كِتَابُ «الزَّبُورِ» عَلَى حِكَمٍ جَمَّةٍ.
وفَصْلَ الْخِطابِ: بَلَاغَةُ الْكَلَامِ وَجَمْعُهُ لِلْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ سَامِعُهُ إِلَى زِيَادَةِ تِبْيَانٍ، وَوَصْفُ الْقَوْلِ بِ (الْفَصْل) وصف بِالْمَصْدَرِ، أَيْ فَاصِلٍ. وَالْفَاصِلُ: الْفَارِقُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وَهُوَ ضِدُّ الْوَاصِلِ، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى مَا يُمَيِّزُ شَيْئًا عَنِ الِاشْتِبَاهِ بِضِدِّهِ. وَعَطْفُهُ
هُنَا عَلَى الْحِكْمَةِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَهُ اسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً [النبأ: ١٧] .
وَالْمَعْنَى: أَنَّ دَاوُدَ أُوتِيَ مِنْ أَصَالَةِ الرَّأْيِ وَفَصَاحَةِ الْقَوْلِ مَا إِذَا تَكَلَّمَ جَاءَ بِكَلَامٍ فَاصْلٍ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ شَأْنُ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْحُكَمَاءِ، وَحَسْبُكَ بِكِتَابِهِ «الزَّبُورِ» الْمُسَمَّى عِنْد الْيَهُود ب «المزامير» فَهُوَ مَثَلٌ فِي بَلَاغَةِ الْقَوْلِ فِي لُغَتِهِمْ.
وَعَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ: فَصْلَ الْخِطابِ هُوَ قَوْلُهُ فِي خُطَبِهِ «أَمَّا بَعْدُ» قَالَ:
وَدَاوُدُ أَوَّلُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَلَا أَحْسَبُ هَذَا صَحِيحًا لِأَنَّهَا كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute