قَوْلُهُ:
وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، فَالزَّوَالُ الْمَفْرُوضُ أَيْضًا مُرَادٌ بِهِ اخْتِلَالُ نِظَامِهِمَا الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى تطاحنهما.
والزوال يُطْلَقُ عَلَى الْعَدَمِ، وَيُطْلَقُ عَلَى التَّحَوُّلِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَمِنْهُ زَوَالُ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ، وَتَقَدَّمَ آخِرَ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ.
وَقَدِ اخْتِيرَ هَذَا الْفِعْلُ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْنَاهُ الْمُشْتَرك فَإِن اللَّهَ يُمْسِكُهُمَا مِنْ أَنْ يُعْدَمَا، وَيُمْسِكُهُمَا مِنْ أَنْ يَتَحَوَّلَ نِظَامُ حَرَكَتِهِمَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ [يس: ٤٠] . فَاللَّهُ مُرِيدٌ اسْتِمْرَارَ انْتِظَامِ حَرَكَةِ الْكَوَاكِبِ وَالْأَرْضِ عَلَى هَذَا النِّظَامِ الْمُشَاهَدِ الْمُسَمَّى بِالنِّظَامِ الشَّمْسِيِّ وَكَذَلِكَ نِظَامُ الْكَوَاكِبِ الْأُخْرَى الْخَارِجَةِ عَنْهُ إِلَى فَلَكِ الثَّوَابِتِ، أَيْ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ انْقِرَاضَ تِلْكَ الْعَوَالِمِ أَوْ بَعْضِهِا قَيَّضَ فِيهَا طَوَارِئَ الْخَلَلِ وَالْفَسَادِ وَالْخَرْقِ بَعْدَ الِالْتِئَامِ وَالْفَتْقِ بَعْدَ الرَّتْقِ، فَتَفَكَّكَتْ وَانْتَشَرَتْ إِلَى مَا لَا يَعْلَمُ مَصِيرَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَحِينَئِذٍ لَا يَسْتَطِيعُ غَيْرُهُ مُدَافَعَةَ ذَلِكَ وَلَا إِرْجَاعَهَا إِلَى نِظَامِهَا السَّابِقِ فَرُبَّمَا اضْمَحَلَّتْ أَوِ اضْمَحَلَّ بَعْضُهَا، وَرُبَّمَا أَخَذَتْ مَسَالِكَ جَدِيدَةً مِنَ الْبَقَاءِ.
وَفِي هَذَا إِيقَاظٌ لِلْبَصَائِرِ لِتَعْلَمَ ذَلِكَ عِلْمًا إِجْمَالِيًّا وتتدبر فِي انتساق هَذَا النِّظَامِ الْبَدِيعِ.
فَالْلَّامُ مُوطِئَةٌ لِلْقَسَمِ. وَالشَّرْطُ وَجَوَابُهُ مُقْسَمٌ عَلَيْهِ، أَيْ مُحَقَّقٌ تَعْلِيقُ الْجَوَابِ بِالشَّرْطِ وَوُقُوعُهُ عِنْدَهُ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ هُوَ الْجُمْلَةُ الْمَنْفِيَّةُ بِ إِنَّ النَّافِيَةِ وَهِيَ أَيْضًا سَادَّةٌ مَسَدَّ جَوَابِ الْقَسَمِ.
وَإِذْ قَدْ تَحَقَّقَ بِالْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ اللَّهَ مُمْسِكُهُمَا عَنِ الزَّوَالِ عُلِمَ أَنَّ زَوَالَهُمَا الْمَفْرُوضَ
لَا يَكُونُ إِلَّا بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى زَوَالَهُمَا وَإِلَّا لَبَطَلَ أَنَّهُ مُمْسِكُهُمَا مِنَ الزَّوَالِ.
وَأَسْنَدَ فِعْلَ زالَتا إِلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضَ عَلَى تَأْوِيلِ السَّمَاوَاتِ بِسَمَاءٍ وَاحِدَةٍ. وَأَسْنَدَ الزَّوَالَ إِلَيْهِمَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يُزِيلُهُمَا لِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا.
وَجِيءَ فِي نَفْيِ إِمْسَاكِ أَحَدٍ بِحَرْفِ مِنْ الْمُؤَكِّدَةِ لِلنَّفْيِ تَنْصِيصًا عَلَى عُمُومِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute