للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَسَبُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ عَبْدُهُ عَتَقَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ وَلَكِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ فَقَالَا: لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَعْرُوفُ النَّسَبِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِالْقَائِلِ فَإِنْ كَانَ عَبْدًا يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ إِطْلَاقَهُ مَمْنُوعٌ إِلَّا مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ فَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: هُوَ أَخِي، لَمْ

يَعْتِقْ عَلَيْهِ إِذَا قَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ أُخُوَّةَ النَّسَبِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُطْلَقُ فِي أُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ بِنَصِّ الْآيَةِ، وَإِذَا قَالَ أَحَدٌ لِدَعِيِّهِ: يَا بُنَيَّ، عَلَى وَجْهِ التَّلَطُّفِ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْخَطَأِ وَلَا يَنْبَغِي التَّسَاهُلُ فِيهِ إِذَا كَانَتْ فِيهِ رِيبَةٌ.

وَقَوْلُهُ ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ يَعُودُ ضَمِيرُ أَمْرِهِ إِلَى الْأَدْعِيَاءِ فَلَا يَشْمَلُ الْأَمْرُ دُعَاءَ الْحَفَدَةِ أَبْنَاءً لِأَنَّهُمْ أَبْنَاءٌ. وَقَدْ

قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ»

وَقَالَ: «لَا تُزْرِمُوا ابْنِي»

- أَيْ: لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْلَهُ-. وَكَذَلِكَ لَا يَشْمَلُ مَا يَقُولُهُ أَحَدٌ لِآخَرَ غَيْرِ دَعِيٍّ لَهُ: يَا ابْنِي، تَلَطُّفًا وَتَقَرُّبًا، فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ لِأَنَّ الْمَدْعُوَّ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ دَعِيًّا لِلْقَائِلِ وَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَدْعُونَ لِدَاتِهِمْ بِالْأَخِ أَوِ الْأُخْتِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

أَنْتِ أُخْتِي وَأَنْتِ حُرْمَةُ جَارِي ... وَحَرَامٌ عَلَيَّ خَوْنُ الْجِوَارِ

وَيَدْعُونَ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ بَاسِمِ الْعَمِّ كَثِيرًا، قَالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ:

دَعَانِي الْغَوَانِي عَمَّهُنَّ وَخِلْتُنِي ... لِيَ اسْمٌ فَلَا أُدْعَى بِهِ وَهْوَ أَوَّلُ

يُرِيدُ: أَنَّهُنَّ كُنَّ يَدْعُونَهُ: يَا أَخِي.

وَوُقُوعُ جُناحٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ بِ لَيْسَ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فَيُفِيدُ تَعْمِيمَ انْتِفَاءِ الْإِثْمِ عَنِ الْعَمَلِ الْخَطَأِ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ عَدَمِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِخُصُوصِ سَبَبِهِ الَّذِي وَرَدَ لِأَجْلِهِ وَهُوَ أَيْضًا مَعْضُودٌ بِتَصَرُّفَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي الشَّرِيعَةِ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا [الْبَقَرَة: ٢٨٦] ،

وَقَوُلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ» .

وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُنْسَبَ أَحَدٌ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ بِطَرِيقِ لَحْنِ الْخِطَابِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنِ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» .